للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهكذا نجد الحياة ذاتها تولى تربية الملك الطفل وتتعهده منذ سن مبكرة جداً. ففي ميادين بالرمو في المساجد والكنائس والمعابد اليهودية، في الحوانيت والسوق وفي الشوارع كان يتلقى الملك الشاب دروسه اليومية في اللغات التي كانت متداولة حية بين أفراد الشعب المختلط الأجناس، كما تعلم أيضاً عاداتهم ودياناتهم. إن فريدريش كان يتكلم طفلاً تسع لغات. أما العربية فقد كانت كأنها لسانه القومي، كان يعرف كذلك الحساب العربي وشارك في مجالات التجار العرب والأئمة من رجال الدين فأجاد فريدريش المحاولات والمجادلات حول الله والعالم، ومن الجدير بالذكر أن القاضي الشرعي للمسلمين المقيمين في بالرمو كان يتولى تعليم هذا الشاب المتعطش إلى العلم والمعرفة والفلسفة العربية، ويمده بالكتب إرضاء لرغبته الجامحة إلى العلم وتحصيله، ويتنفس عبيرها الباسم، كما ذكر فريدريش ذلك في أسلوب عربي رائع.

فهذه المعرفة التي اكتسبها هذا الملك الشاب النابه بشتى الطرق جعلته يختلف عن والده في كثير من خصائصه وصفاته، فوالده كان يقدر له أنه يكفيه أن يتعلم المبادئ الأولية على يد المعلم «فلهلم فرنسيسكوس». أما الآن فالذي يكتب تاريخ هذا الشاب ابن الثلاث عشرة سنة يستولي عليه الإعجاب. نعم إنه يرفض الوصاية عليه مهما كان لونها ونوعها، هذه الوصاية التي تحدد إقامته وتحصي عليه تحركاته. إنه يأبى إلا أن يتنقل حراً طليقاً في الحياة العامة. لكن هذا المشرب من الحياة هو الذي يرجع إليه الفضل في إبراز خصائصه الخلقية وقدرته العقلية مما جعله يبدو وكأنه أكبر سناً مما هو عليه، فهو بالرغم من طفولته كان كثير المعرفة والاطلاع وذا عقل يضعه فوق سنه لذلك لا يحكم على فريدريش حسب سنه، وإن كان إدراك المرء مرتبطا بسن معينة فقد تبين أنه من حيث نضج التفكير وصحة الحكم على الأمور رجل مكتمل القوى العقلية، وأنه من حيث العظمة ملك.

ولو حدث مرة وبدت عليه علامات الطفولة فإنما مرجع ذلك حداثة سنه، إلا أن حياته الملكية التي كان يحياها وجهته التوجيه الصحيح، وهذا الاتجاه هو أيضاً من آثار الدماء النورمانية التي تجري في عروقه. هنا دولة اتسع صدرها لمختلف الثقافات

<<  <   >  >>