أسفارهم حتى بلغوا شرق أوربا، وقد نجحت هذه الشعوب الشمالية في إقامة دول على طول الطريق التجاري الذي كانوا يقطعونه ذهابًا وجيشة ومن بين هذه الدول التي أسسوها تلك التي أقاموها في البلاد المعروفة باسم روسيا فهذه الدولة ما زالت محتفظة حتى الأيام الأخيرة باسم مؤسسيها وهم «هروس» أو «روس» وهو اسم الوطن الأصلي في بلاد السويد. وقد اضطر أولئك التجار المحاربون إلى تأسيس محطات تجارية على طول الطرق التي يقطعونها فشيدوا مثلًا «نوفوجورود» و «كيف»، كما تاجروا في الأقمشة واللباد والحلي الفضية والأصداف الكورية والأسلحة وسهام الصيد ومختلف أنواع العطارة من مختلف البلاد العربية حتى مدينة تولية القاصية وكانوا يعودون من أقصى البلاد العربية محملين بالكهرمان وأسنان الحيتان وغراء السمك وخشب الصنوبر والبلوط والصقور الحية للصيد وطواقي من فراء الثعلب الأسود للعرب وكثير من مختلف أنواع الفراء لا سيما السمور الأسود والهرملين والثعالب التي يحكى لون فرائها لون الياقون فيضيء ما حوله وكأنه الشمس تبدد غياهب الظلمات.
لكن بين دولة الروس والدولتين العربية والرومانية والشرقية كانت تقوم دولة الخزر، وهي بمثابة الإسفين في كيان هذه الدول، فمنذ عدة قرون كانت بلاد الخزر تفتح ذراعيها لليهود الهائمين على وجوههم والفارين من مختلف بلاد العالم، وبخاصة الشرق الأدنى، والسر في هذا أن سكان هذه البلاد الخزرية كانوا خليطًا من اليهود والمسيحيين والمسلمين والوثنيين ويحكمهم ملك يهودي، وكانت حياتهم الاقتصادية تعتمد على تجارة المرور بسبب موقع بلادهم التجاري، فعاصمتهم «إيتيل» كانت مشرفة على مصب نهر الفولجا في بحر الخزر.
ومما غير مجرى الحوادث في التاريخ الاقتصادي للقارة الأوربية وشق للتجارة الشرقية طرقًا جديدة امتدت حتى وصلت شمال أوربا نجاح القيصر «أوتو» الأول في تطهير القارة من العصابات المجرية التي كانت تعيش على السلب والنهب وقطع الطرق مما حال دون وصول التجارة العربية إلى شمال أوربا. أما الآن وقد عبدت الطرق واختفت عصابات النهب والسلب، فقد تغيرت الأوضاع وواصلت القوافل