يحضرها تاجر يهودي من الشرق العربي لبيعها في العاصمة المسيحية. وذلك لأن اليهودي فقط هو الذي كان همزة الوصل بين الشرق المسلم والغرب المسيحي، وكان تاجر الجملة ورسول الكارولينيين. فأين المكان على سطح الأرض الذي لا يوجد فيه اليهودي الذي يسارع إلى مساعدة ابن ملته؟
ويحدثنا ابن خرداذبة في كتاب المسالك والممالك عن مسلك التجار اليهود الراذانية حوالي عام ٩٠٠ م «الذين يتكلمون العربية والفارسية والرومية والإفرنجية والأندلسية والصقلية، وأنهم يسافرون من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق برًا وبحرًا يجلبون من المغرب الخدم والجواري والغلمان والديباج وجلود الخز والفراء والسمور والسيوف، ويركبون من فرنجة في البحر الغربي فيخرجون بالفرما ويحملون تجارتهم على الظهر إلى القلزم وبينهما خمسة وعشرون فرسخًا، ثم يركبون البحر الشرقي من القلزم إلى الجر وجدة ثم يمضون إلى السند والهند والصين فيحملون من الصين المسك والعود والكافور والدارصيني وغير ذلك؛ مما يحمل من تلك النواحي حتى يرجعوا إلى القلزم ثم يحملون إلى الفرما .. ».
فهذه الأشياء لا تصل إلى أوربا الآن إلا بقدر وقدر ضئيل جدًا ولا يستطيع الرجل العادي أن يشتريها من السوق السوداء لارتفاع أسعارها، فلا عجب إذا رأينا الطرطوشي يبدي استغرابه عند رؤيتها في مدينة «ماينز» الغربية. والواقع أن البلاد المسيحية كانت وقتذاك متخلفة جدًا في التجارة الشرقية التي كانت تمر ببحر الخزر؛ ومن ثم تسير على امتداد نهر الفولجا ثم شمالا حيث الشعوب الوثنية.
لذلك لا عجب إذا رأينا أنوار الحضارة الشرقية تضيء البلاد الشمالية وسائر الجزر المنتشرة في البحر الشرقي كما نتبين هذا من آلاف آلاف القطع من النقود العربية التي ترجع إلى الفترة الممتدة من القرن التاسع إلى الحادي عشر الميلاديين، وإن دلت هذه النقود على شيء آخر عدا نقل الثقافة العربية إلى تلك الأصقاع النائية فهذا الشيء هو تحرر التجارة العربية من التعصب الديني، وقد تجاوب مع العرب في تأدية هذه الرسالة وإنجاحها كثير من الشعوب الجرمانية الشمالية أعني الفيكينج أو النورمانيين الذين نزحوا من النوريج وإيسلندة والسويد والدنمارك وواصلوا