فهناك ندرك مدى التقدم الطبي الذي فاق نظيره عند الإفرنج؛ لذلك لا يدهشنا أن نرى القيصر يتخذ من الطب العربي مثالاً يحتذى. ولم يكن فريدريش هو أول من تنبه إلى هذا في صقلية بل نجد جده روجير الثاني يسبقه إلى هذا، فقد أصدر قانوناً خاصاً بالطب والأطباء. ثم جاء فريدريش ونسج على منواله فوجه جل عنايته إلى الطب العربي واقتباسه، كما أصدر قانوناً خاصاً بالطب في أوربا.
وكما كان الحال إبان حكم العرب وسيطرتهم، وكما عرف فريدريش من الشرق أدخل هو أيضاً نظام الحسبة العربي لمراقبة سائر المهن والتجارة والاقتصاد والصحة كما حرص على وجوب السهر على مراقبة هذا النظام واحترامه، وقد ظل نظام الحسبة قائماً في مملكته قروناً طويلة، وفي عام ١٢٣١ أصدر القيصر مرسوماً بتعميمه في أوربا أيضاً، أي خارج الجزيرة. كذلك رفع من المستوى الصحي العام وشعر بضرورة وجود الحمامات، فأهميتها لا تقل عن أهمية المدارس والمكاتب، لذلك أكثر منها وجعلها عامة فأصبحت مدينة «لوكيرا» أنظف وأصح مدينة في القارة الأوربية. وبلغ من حماقة خصوم القيصر أن أطلقوا عليه لقب «سلطان الوكيرا»، ولا أدل على اهتمام القيصر باقتباس كل ما هو عربي صالح وإدخاله إلى بلاده من أنه عمم الحمامات في كل إقليم من أقاليم بلاده، وكذلك المياه الجارية التي هاجمتها الكنيسة لأنها اعتبرتها تبذيراً، فكيف يستحم الفرد يوميا، إنها جريمة، وبخاصة الاستحمام أيام الأعياد الكنسية، إذ كيف يتجرد الإنسان من ملابسه، إنها جريمة كبرى!
إن القيصر الذي تعلم طفلاً وشاباً من الشعب يجب أن يهتم بما يفيد الشعب ويخدمه، وهل هذا عجيب؟ !
وهكذا نجد القيصر ينشط في تأدية خدمات عظيمة للشعب ترفع من شأنه وشأن دولته وبهذه الطريقة فقط استطاع بمساعدة موظفيه تنفيذ جميع هذه الإصلاحات لجعل من دولته أول وأعظم دولة مدنية مستقلة عن الكنيسة وسلطانها.
أما موظفو الدولة فكان فريدريش يتطلب منهم ثقافة خاصة، لذلك أوجد