الاستيلاء عليها وعلى ثرواتها الكثيرة، وأدركت البندقية الخطر الذي تتعرض له، فراوغت خصميها المتنازعين المتنافسين ونجحت في الإيقاع بينهما وتحريض كل منهما على الآخر بينما أخذ أميرها (الدوج) يظهر بغتة على المسرح العالمي ويخاطب حكام العالم مخاطبة الأنداد.
وبعد أن تحققت للبندقية أمنيتها ونجت من مخالب أعدائها وتحررت من بيزنطة أخذت تفكر جادة في الاستعمار تأمينًا لأسطولها التجاري وأسواقها الخارجية وتحدت الكنيسة وتاجرت مع المسلمين ووثقت علاقاتها التجارية مع العرب. ولم تكن البندقية هي الوحيدة في إيطاليا التي وقفت من العرب هذا الموقف الودي، ولم تتردد في مساعدة العرب عند غزوهم صقلية، أم تعقد «بيزا» مع المسلمين معاهدات واتفاقيات ضد جنوه؟ كما وقفت نابولي إلى جانب المسلمين ضد منافستها «أمالقى» وانضمت سفن «أمالقى» إلى الأسطول العربي عند مواجهته الشواطئ الرومانية بالرغم من تهديد الكنيسة لسكان «أمالقى» بالحرمان وإعلان البابا هذا التهديد. ولعل السر الذي دفع هذه المدن الإيطالية إلى محالفة المسلمين ومعاونتهم متحدين بموقفهم هذا البابا وكنيسته، الرغبة الصادقة في المحافظة على حرية التجارة وسلامتها ولا صلة في الواقع بين التجارة والعقيدة ثم ما شأن البندقية هذه الدولة البحرية الناشئة وذلك الكهل القابع على ضفاف البوسفور؟ !
ثم هل كان من السهل على أهالي البندقية الرضوخ لقرار القيصر «يوحنا تزيميسكيس» القاضي بتشكيل لجنة تتخذ من جزيرة «ريالتو» مقرًا لها لتفتيش سائر السفن باحثة عن الأسلحة والخشب؟ لا شك في أن القيصر كان في حالة يرثى لها عندما قرر الانتقام من أهالي البندقية وذلك لكثرة الهجمات العنيفة التي شنها عليها الخلفاء الفاطميون، وعاونهم سكان البندقية بالأسلحة والخشب اللازم لبناء السفن الحربية، وغالى القيصر في تهديداته فقرر حرق جميع السفن التي تضبط عليها مواد محرمة بمن فيها فغضب أهالي البندقية لمثل هذا القرار ورغبوا عنه وعن تنفيذ رغبات القيصر؛ لأن الرضوخ لمثل هذا القرار معناه الرجوع بالحياة الرغدة السعيدة إلى الوراء؛ فاضطر القيصر إلى الإسراع في إصدار قرارات أخرى تعاقب بالموت، ذلك