ولا جارك في بلدك فيستحييك قال: قومي بارك الله عليك، ادعي لي بهيسة (يعني الصغرى)، فأتي بها فقال لها كما قال لهما.
فقالت: أنت وذاك. فقال لها: إني قد عرضت ذلك على أختيك فأبتاه. فقالت. ولم يذكر لها مقالتيهما. لكني والله الجميلة وجها، الصناع يداً، الرفيعة خلقاً الحسيبة أبا، فإن طلقني فلا أخلف الله عليه بخير. فقال: بارك الله عليك. ثم خرج إلينا فقال: قد زوجتك يا حارث بهيسة بنت أوس.
قال: قد قبلت. فأمر أمها أن تهينها وتصلح من شأنها، ثم أمر ببيت فضرب له، وأنزله إياه، فلما هيئت بعث بها إليه فلما دخلت إليه لبثت هنيهة ثم خرج إلى فقلت: أفرغت من شأنك؟ قال: لا والله. قلت: وكيف ذاك؟ قال: لما مددت يدي إليها قالت: مه. أعند أبي وإخوتي هذا والله ما لا يكون. قال: فأمر بالرحلة، فارتحلنا ورحلنا بها معنا، فسرنا ما شاء الله. ثم قال لي: تقدم فتقدمت، وعدل بها عن الطريق، فما لبثت أن لحق بي، فقلت: أفرغت؟ قال لا والله. قلت: ولم؟ قال: قالت لي: أكما يفعل بالأمة الجليبة أو السبية الأخيذة. لا والله حتى تنحر الجزر وتذبح الغنم، وتدعو العرب، وتعمل ما يعمل لمثلى. قلت: والله إني لأرى همة وعقلاً، وأرجو أن تكون المرأة منجبة إن شاء الله.
فرحلنا حتى جئنا بلادنا، فأحضر الإبل والغنم، ثم دخل عليها وخرج إلى فقلت: أفرغت؟ قال: لا. قلت: ولم؟ قال: دخلت عليها أريدها، وقلت لها قد أحضرنا من المال ما قد ترين، فقالت: والله لقد ذكرت لي من الشرف ما لا أراه فيك. قلت: وكيف؟ قالت: أتفرغ لنكاح النساء والعرب تقتل بعضها (وذلك في أيام حرب عبس وذبيان). قلت: فيكون ماذا؟ قالت: اخرج إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهم، ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتك، فقلت: والله إني لأرى همة وعقلاً، ولقد قالت قولاً. قال: فاخرج بنا. فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا فيما بينهم بالصلح، فاصطلحوا على أن يحتسبوا القتلى فيؤخذ الفضل ممن هو عليه، فحملنا عنهم الديات، فكانت ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنوات فانصرفنا بأجمل الذكر.