فني الحريم كان تعدد الزوجات من أسباب القضاء على روح الحرية والاستقلال والشعور بالشخصية وكل مقومات المرأة العربية الأصيلة. وعوضاً عن هذه الصفات الحميدة أصبح الرجال أكثر ميلاً إلى اللواتي يجدن فن الإغراء وإيقاع الرجال في حبائلهن، أعني اللواتي كن يغشين دور اللهو والغناء في الكوفة والتي كانت تغص بتجار الرقيق الذين كانوا يبتزون أموال السادة والشباب في المدينة الذهبية بغداد.
هذه هي الناحية السطحية التي يتجه إليها دائماً التفكير الأوربي، لكن كلما تعمق الإنسان في المجتمع تبين الصورة الحقيقية واضحة المعالم، وبخاصة كلما ابتعدت هذه الصورة عن التأثير الفارسي أو بتعبير آخر عندما تصبح الصورة عربية خالصة. إن البدوية لم تستخدم أبدا الحجاب كما أنها لم تعش يوما ما عيشة الحريم ولم تغلق دونها الأبواب، لأن مثل هذه الحياة الأرستوقراطية لم تكن تسمح بها الحياة الاقتصادية، وحياة العمل لسكان الصحاري والمروج سواء كانوا بدوا أو فلاحين، كما لم تسمح بحياة البذخ التي أباحها الإسلام، أعني الزواج من أربع نساء.
وذلك لأن الإسلام طالب الزواج بالعدل بينهن سواء في الأكل أو الالتزامات الزوجية:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[النساء: ٣]. ألم يقر الإسلام رغبة في احترام العدالة أن يتزوج الرجل واحدة فقط؟ ومن غير الأغنياء يستطيع أن يعدل بين أزواجه؟ إن المسألة ليست اقتصادية فقط، فالعربي الأصيل كما يقول مؤرخ عربي:«إذا ما أحب فواحدة فقط ويخلص لها وتخلص له حتى الموت».
وهكذا نجد صورة العربية عندما تبتعد عن المدينة وآثارها تقترب من الصورة الحقيقية للمرأة العربية الشامخة الشاعرة بوجودها وكيانها وشخصيتها، لذلك كانت البدوية في صدر الإسلام أكثر تمتعاً بالحرية وأكثر استقلالاً وأكثر أثراً في المجتمع العربي من تلك السيدة النبيلة العظيمة المقيمة في دمشق، وهكذا نستطيع أن نفسر