الادعاءات القائلة بأن العرب قد أخذوا الحضارات البائدة وأعادوها ثانية، وأنهم مقلدون فقط ولم يأتوا بجديد. ففي إسبانيا لم توجد حضارات يقال إن العرب قد اقتبسوها وتعلموها وقلدوها، والحقيقة التي يجب الاعتراف بها أن جمال الثقافة الأندلسية لم يكن فارسياً أو يونانياً بل كان عربياً وعربياً فقط، وعندما اختفى العرب من إسبانيا انحطت البلاد وتدهورت حضارتها وخيم عليها الموت ولم تنتج شيئاً.
ففي إسبانيا ظل حكم العرب ثمانية قرون كانت أزهى وأغنى العصور، ومن خير ما عرف على يد البيوت الحاكمة وهي عربية قديمة، وهي بيوت أموية حكمت في قرطبة كما حكم العباديون في إشبيلية والناصريون في غرناطة بينما لم يقم البربر والمسيحيون إلا بأعمال التخريب والتدمير، وبخاصة إذا كانوا لم يتأثروا بالثقافة العربية والعقلية العربية. وفي شرق العالم العربي بعد القضاء على الأمويين على يد العباسيين الذين في عهدهم، توغلت العناصر الأجنبية في الحكم والسيادة ولو أنهم كانوا من العوامل المؤثرة في الثقافة العربية.
وما هي فترة ثمانية قرون؟ ! إنها قصيرة إلا أنها غنية جداً بالأحداث التاريخية! إنها فترة تساوي تلك التي تمتد من موت البطل «ليونيداس» حتى آخر اضطهاد حل بالمسيحيين أيام القيصر «ديو قليطيين»، أو إذا ما قيست بالعصر الحديث عبارة عن فترة من الزمن هي التي تبدأ بهنري الثاني حتى مجيء الملكة الياصابات الثانية ملكة إنجلترا، وعلى الدقة منذ مجيء الملك فيليب الثاني ملك فرنسا حتى الجمهورية الخامسة للجنرال ديجول، أو منذ سقوط هنري قلب الأسد أمام القيصر فريدريش الأول بارباروسا حتى مجيء عصر الدكتور كونراد أديناور، فهذه الفترة بالضبط عبارة عن? ? ? عاماً ازدهرت وأينعت فيها الحضارة العربية في شبه الجزيرة الأوربية.
لكن الغرب لم يعرف شيئاً عنها.
والجار الغاضب المكشر عن أنيابه الذي كان يقيم على الجانب الآخر من جبال البرناس ظل قرنين، ثلاثة، أربعة أصم أعمى، فقد غشت عينيه غشاوة بفعل الأنوار الساطعة والجنة الغناء، وفيها المعماريون والمغنون والشعراء والعلماء، وهي كذلك