جنة النساء. وقد صور هذا الجار الغاضب تلك الجنة بأنها وطن السحرة وعبدة الشياطين وأنها وطن تقديم البشر قرباناً لمحمد، لماذا؟ خوفاً من هذا السحر الذي قد يأتي بالحقيقة. لكن هذا الجار فشل في سد أذنيه وإغماض عينيه تماماً وتأثر أثراً قوياً بحضارة جاره.
وبالقرب من قرطبة في حديقة قصر عبد الرحمن، هذا القصر الذي شيده حسب تصميم أجداده الذين شيدوا قصورهم في الصحراء السورية، كان هذا الأمير العربي يزرع أول نخلة في أرض الأندلس وعنها انتقل النخيل إلى أوربا.
إن هذا الأمير هو الشاب عبد الرحمن الذي طالما حن إلى وطنه الأصلي وسجل هذا الحنين في أشعاره وهو أخر فرد من الأسرة الأموية وهو أحد حكامهم الأقوياء الأشداء. فقد نجا وهو ابن العشرين من المذبحة التي حلت بأهله في دمشق، وقد ظل خمسة أعوام ضالاً هائماً متعرضاً لمختلف الأخطار، في شمال إفريقيا، حتى استطاع أخيراً هذا الفقير المعدم بفضل شجاعته وعزيمته القوية وإرادته الحديدية أن يصير حاكماً على الأندلس التي كانت تقاسي من انقسامات العرب هناك وشحنائهم.
ومع هذه الشجرة العربية التي جاء بها من وطنه أخذ الفن العربي يدخل الأندلس ومن ثم أخذ هذا الفن يزدهر وينتشر خارج الأندلس ومختلف البلاد الأوربية، حيث أصبحنا نجد فناً معمارياً عربياً وموسيقى عربية وشعراً عربياً وغزلاً عربياً.
ففي فترة حكمه التي بلغت ثلاثة وثلاثين عاماً والتي كانت مليئة بالكفاح وضع عبد الرحمن الأول الأساس للدولة العظمى التي شاهدتها العصور الوسطى، وكل من جاءوا بعده من العباقرة الجبابرة أضافوا لبنة إلى هذا البناء الشاهق، كما ساهموا في بناء المسجد العظيم الذي وضع أساسه عبد الرحمن الأول في قرطبة عاصمته.
أما كاتدرائية القديس «فينسينس» فقد قدر ثمنها مائة ألف دينار وهذا مبلغ عظيم جداً في ذلك العصر مما يشير إلى أن الحالة كانت ميسرة مستقرة فلا هدم للمعابد ولا تكسير لصور مقدسة أو غيرها. نعم إنه عندما فتح طارق وبربره البلاد هدموا كثيراً