من الكنائس، لكن الكاتدرائية احتفظ بها مسيحيو قرطبة وأعدوها لتأدية طقوسهم الدينية وقد أخذوا بهذه عهداً مكتوباً. أما الفاتحون فقد اكتفوا بتشييد مساجدهم المتواضعة خارج المدينة.
ثم نجد العرب الذين قدموا من المدينة محاربين ومدافعين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعهم ذراريهم وأتباعهم يستقبلون موجة أخرى من العرب السوريين فامتلأت بهم قرطبة مما جعل الحاجة ماسة إلى تشييد مسجد عظيم في العاصمة في قرطبة، وقد بلغت نفقات بناء هذا المسجد مائة ألف دينار، وقد اشترى عبد الرحمن الكاتدرائية المسيحية من المسيحيين بهذا المبلغ، أعني مائة ألف دينار، كما منح المسيحيين الحق في أن يجددوا بهذا المبلغ كنائسهم التي خربت.
والآن يستطيع المسلمون الانتقال إلى هذه الكنيسة التي آلت إليهم بحكم الشراء أو تحويرها التحرير الذي يتفق والشعائر الدينية الإسلامية، فكان مثلهم مثل المحاربين القدماء الذين لم يعتادوا البناء، فكانوا يستولون في البلاد المفتوحة على بعض دور العبادة المسيحية كما وقع في دمشق والقدس. وهكذا صنع جد عبد الرحمن ألا وهو الخليفة عبد الملك عندما حول كنيسة العذراء مريم، التي تنسب إلى «يوستنيان» والواقعة أمام المعبد في القدس، إلى المسجد الأقصى، كما حول ابنه الوليد كنيسة القديس يوحنا في دمشق إلى المسجد الكبير مع الإشارة إلى أن الكنيسة أصلا قد شيدت من أحجار وأعمدة معبد «جيوبيتر» القديم. لكن ليس معنى هذا أن المعابد التي شيدت للآلهة الأجانب قد استغلها المسلمون واستخدموها دوراً لعبادتهم، فالمساجد العظيمة كانت تشيدها الدولة في معسكرات جيوشها، فقد شيدت مثلا لجنودها المحاربين جامع ابن طولون في القاهرة وسيدي عقبة في القيروان، فهذه المساجد كانت تشيد عادة في الفضاء الواسع كما كانت في هندستها المعمارية، إذا ما استثنينا قبة الصخرة، ومساجد القبور، تتبع تخطيطاً بعينه أعني نظام المسجد ذي الصحن المربع غير المسقوف وبه ميضأة للوضوء ويحاط بسور يشبه سور الحصن وحوله صفوف من الأعمدة التي تظلل أولئك الذين يريدون الانصراف إلى الله في الصلاة، وذلك عن طريق الصلاة في القاعة المسقوفة. وهذا