للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فخوذات الأبراج العربية استعارها الصليبيون الألمان من «ورمس» واستخدموها في كنيستهم المعروفة باسم كنيسة القديس بولس، وللإشارة إلى حربهم الصليبية رسموا سفنهم الصليبية. وكما هو الحال في قبابهم الرمادية التي تعلوها سماء بلادهم المغطاة بالسحب والغيوم تقوم على سطوح مبانيهم المائلة المنحدرة والممتدة على ضفاف الرين توحي إلى الناظرين إليها بأجنبيتها، فهي تعبر عن هذه الخوذة العربية الحجرية، وهي التي تتدرج من مربعات إلى مثمنات ثم إلى دوائر، وهي التي قلدها الألمان على طول نهر الرين في «ديتلزهيم» و «الزهيم» و «جونتر زبلوم» بل حتى في «شبير» و «فيتزلار» و «أمورياخ».

أما في إسبانيا ذاتها فقد اختفت آثار العصور العربية الذهبية ولم يبق بها إلا القليل جداً، وآخر آثار الماضي الذهبي التي تحمل بعض الآثار الفنية لمشيديها السالفين: «الحمراء» وقصر السلطان العظيم في غرناطة وبقايا القلعة الصيفية وقصر طليطلة وغير ذلك وبخاصة برج إشبيلية الذي كان يستخدم قديماً مرصداً للفلكيين، وهذا البناء لا يقوم على مصاطب مدرجة يستطيع الفارس بلوغها بل على سهل منحدر. أما واجهة البناء ذات الألوان المختلفة اللامعة فكأنها زجاج وتغطيها نوافذ مزدوجة جميلة على أشكال مدببة أو على هيئة أوراق العشب أو حدوة فرس. ومن بقايا الآثار العربية العظيمة في الأندلس وهذه الثقافة الرفيعة: هذا المسجد العظيم الذي شرع عبد الرحمن الأول في تشييده في قرطبة، لكن مما يؤسف له حقاً أن الكنيسة التي بنيت في داخله تبين لنا عظمة هذا المكان الذي كان قديماً يشتمل على أكثر من ألف وأربعمائة عمود، وبين العقود التي تشبه حدوة الفرس يتدلى أربعة آلاف وسبعمائة مصباح من الفضة من سقف مصنوع من خشب الأرز المزخرف. ولما جاء هشام الأول وهو الابن المتواضع المحافظ لعبد الرحمن الأول أتم البناء الذي بدأه والده وأضاف إليه المئذنة. والحكم الأول الذي كان واسع الأفق وميالاً إلى المرح والسرور ترك المسجد قائماً كما هو، لكن عبد الرحمن الثاني الذي كان هاوياً للفنون الزخرفية رغب في إيجاد عمل للعمال العاطلين فشيد كثيراً من المباني فقرر توسيع المسجد وشيد فيه محراباً ثانياً. أما ابنه محمد الأول الذي كان متزمتاً جداً

<<  <   >  >>