لا يتهموا بأنهم يقتبسون عن العرب شيئاً! وليست الأوهام هي التي سيطرت على الراهبة العالمة الشاعرة المسماة «روزفيتا» والتي كانت مقيمة في صومعة دير «جندر زهيم» السكسوني عندما علمت بقصة قرطبة ووضعت فيها قصيدة تمدحها: فقالت عنها: «إنها زينة الدنيا وبهجتها، إنها المدينة الحديثة الجميلة الشامخة بأبنيتها، الشهيرة بأفراحها وهي تحوي جميع الأشياء».
وليس اليهود فقط هم الذين قاموا بدور الوسيط ونقلوا الثقافة العربية إلى أوربا بل نجد كثيرين من المسيحيين قد سمعوا بهذه البلاد المباركة، حيث قرطبة وطليطلة ومعالمهما الشهيرة الجديرة بالرؤية والزيارة. ففي أثناء قيام حكومة الأمويين بين القرنين الثامن والحادي عشر أقبل عدد كبير من الطلبة من مختلف أنحاء العالم على إسبانيا طلبا للعلم وتحصيلا للمعرفة حيث كانت قرطبة النبع الذي لا ينضب.
نعم إن العلوم الأندلسية اعتمدت أول الأمر على العلوم اليونانية، والعلوم التي كانت منتشرة في شرق العالم العربي، إلا أن هذه العلوم الأندلسية لم تلبث أن وقفت على ساقيها، وذلك بفضل الخليفة الحكم الثاني بن عبد الرحمن. وبعد أن اشتد ساعد المعرفة العربية الأندلسية واستقلت عن غيرها خرجت شخصيات علمية عالمية مثل: ابن رشد وابن زهر وابن طفيل صاحب رسالة حي بن يقظان، هذه القصة الفلسفية التي تعالج الإنسان الطبيعي، وهي التي أتاحت إلى «ديفو» أن يضع قصة «روبينسون كروزو»، كما نجد ابن باجه وأبا القاسم والطروغي وابن البيطار وابن فرناس وابن الخطيب والعالم العظيم جداً ابن خلدون الفيلسوف والمؤرخ الأول ومؤسس علم الاجتماع. ثم نجد الصوفيين ابن عربي وابن سبعين، ويمتاز جميع أولئك العلماء على علماء شرق العالم العربي.
وامتاز الحكم على سابقيه بحبه وشغفه بالعلم ونشره بين طبقات شعبه الذي رفعه والده سياسياً واقتصادياً حتى جعله شعباً مثالياً لذلك حاول الابن منذ اليوم الأول من توليه الحكم أن يجعله في طليعة الشعوب الأخرى علمياً وثقافياً، وامتاز بذلك على أسلافه. فقد أتبع كل مسجد مدرسة، وكانت بكل حي من أحباء المدينة مدرسة خاصة ومئات الآلاف من الكتب التي كانت محفوظة في المكتبات العامة