للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكأنها كائن سماوي قريب من الله أو شبيهة به بل كنائبة عن الله بل يصلي لها وكأنها إله فهي تخاطب بعبارة «السيدة المحترمة» «الرحيمة» «العطوف» وهي التي تمنح الرحمة للفارس المتواضع، وحتى الشعر الديني كان يخاطب «أم الله على أنها الخادمة المطبعة والخادمة السيد». بدأت النظرة إليها تتغير فأصبحت تخاطب بعبارة «الحبيبة، السيدة الوقور» وهي التي يجثو تحت قدميها العظماء وبعطفها يرتفع مقدارهم.

فهذه الفكرة أخذت تنتشر مثل الزوبعة أو الإعصار في المجتمعات الموجودة في الأقاليم ومنها إلى مختلف أرجاء فرنسا فإيطاليا فصقلية فالنمسا وألمانيا. إن الألفاظ أصبحت كأوراق الشجر تشبه في عروضها وقافيتها أصولها العربية، وفي أول العهد كانت عادة إخفاء اسم الحبيبة سائدة كما هو الحال عند عباس بن الأحنف، ويعوض عن اسمها باسم آخر مصطنع، وقد يكون اسم ذكركما نجد كثيراً من مميزات الشعر العربي الغنائي.

لكن يجب أن نذكر هنا أن الشيء الأصيل عند العربي أصبح هنا في أوربا شيئاً مستحدثاً فعندما يؤكد التروبادور أنه لا يوجد شيء يسعده مثل صيرورته في قبضتها وتحت سلطانها وأن يصير عبداً لها، تعتبر مثل هذه التعبيرات عبارة عن ألفاظ شعرية فقط، وذلك لأن مكانه قائلها كفارس أو سيد لا تقل اجتماعيا عن زوجها فهي عبارة من عبارات الآداب التي تستخدم عادة بين الرجال والنساء في المجتمعات. أما الخضوع العربي فما هو إلا نصائح كنصائح «أوفيد» وهي عرض خدمات النساء أو إظهار التقدير لهن بخلاف الحال في أوربا حيث تعتبر هذه المعاملة من مقومات المجتمع بين الرجال والنساء. وقد اهتدى العالم «بورداخ» إلى أن الشعر الغزلي الغنائي الأندلسي هو أصل الأوربي، وهذا الرأي ما زال إلى يومنا قائماً. ومثل هذا الفن الأدبي العربي يمثل الثروات العقلية الأخرى التي وجدت طريقها إلى أوربا. وموقع الأندلس جغرافياُ وسياسياُ ساعدها على القيام بهذه الرسالة.

<<  <   >  >>