للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن بين شهيرات الشاعرات الأميرة «ولادة» وقد ذكر عنها عربي أنها كانت أول عربية سيدة في عصرها فقد كانت سافرة تحتقر الحجاب فضلاً عن طبيعتها الملتهبة، وكانت هذه خير وسيلة تظهر فيها طبيعتها وطبائعها الظاهرة والخافية، فضلاً عن جمال وجهها وحميد أخلاقها وصفاتها، وقد كان بيتها في قرطبة ملتقى الأشراف الذين كانوا يتنافسون في إنشاد الشعر، كما قصده العلماء والكتاب واشتهرت بالكرم وحسن الأخلاق وحدة الذهن.

تحت رعاية مثل هذه الأديبة الشاعرة انتشر الشعر العربي الغزلي الأندلسي فتخطى الحدود إلى أوربا، وإلى مثل هذه السيدة وجه الصوفي ابن الفارض غزله وشعره وقصيدته التي مطلعها:

ته دلالاً فأنت أهل لذاكا ... وتحكم فالحسن قد أعطاكا

إن أوربا لم تعرف في تاريخها مثل هؤلاء الناس. لم يظهر في أوربا شاعر عبر عن حبه بهذه الطريقة، لم تعرف أوربا محباً ركع أمام حبيبته وسجد على أعتابها راجياً رضاها. لم يسلك هذا المسلك أمثال «أنا كريون» أو «ثيوكريت» أو «سافو» أو «أفلاطون»، فهؤلاء لم يعرفوا الخضوع والخشوع أمام هذه الحبيبة التي تتمتع بهذا الحب الإلهي. هذه الحبيبة التي تتوقف الحياة أو الموت عليها. كذلك لم يعرف «أوفيد» بالرغم من أنه كان أستاذ الشعر الغرامي هذا النوع العربي. وكذلك الحال مع الشعراء الجرمان وتقديمهم للمرأة، فقد كان يعتمد على المساواة بين الرجل والمرأة أو احتقار ابنة حواء الخاطئة، فكيف حدث أن ظهر في جنوب فرنسا أولا الهر زوج فلهلم التاسع هر زوج (إكريتانين وبواتييه) ومعه بغتة جيش من المغنين يغنون أغاني تدل على أنهم العبيد المخلصون والخدم الأوفياء للسيدة، وأنهم بخضوعهم وتواضعهم وطاعتهم يبلغون عطف السيدة ولو أنها في الحقيقة كائن غير ذي شخصية؟

إن المرأة قد خضعت لقوة الرجل ربما بسبب خطيئتها، والكنيسة تحتقر المرأة لأن احترامها يتعارض والذات الإلهية وبخاصة الزوجة ليست هذه التي لم يصبها العار عار اتصالها برجل بل هي عذراء، فالآن أصبحت وللمرة الأولى تخاطب وتعامل

<<  <   >  >>