للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مستوى الآلهة بين «دانتي» وابن عربي (١١٦٥ - ١٢٤٠). وليس صدفة أن هذا الصوفي الأندلسي من مرسية الذي كان معاصراً لفريدريش الثاني، والذي عاش مائة عام سبقت الشاعر الإيطالي اللاهوتي، قد اقتبس «دانتي» الشيء الكثير من مؤلفاته فحب «دانتي» «باتريس» أخذ يتطور في عقلبته حتى جاء بها إلى الجنة، ومن ثم أخذ ينتقل من مرحلة إلى أخرى، فصوره مأخوذة عن ابن عربي، بل حتى بباتريس لها سابقتها وهي الجميلة «نظام» ابنة ابن رستم في مكة فقد اتخذها مصدر وحيه الشعر في ديوانه، إنها معقد آماله ومصدر تفكيره وإن كل اسم اختاره يشير إليها وكل بيت في الرثاء لها إلا أنه كان يذكر دائماً أن الله هو مصدر الوحي والإلهام لأنه يجب على الإنسان أن يؤثر الآجلة على العاجلة، وقد اقحم شراح بن عربي وخصومه في شعره الصوفي ما قاله في نظام، ويعبر حقيقة عن حبه العذري الظاهر كما فعل «دانتي» فيما بعد.

فالرفع من مكانة المرأة العربية والسمو بها إلى مكانة قريبة من الذات الإلهية دليل قوي بالرغم من انتشار نظام الحريم على مكانتها الحرة في المجتمع. فالنساء الأندلسيات كن يتمتعن بقسط وافر من المساواة وكن يساوين الرجال كما كان لهن حظ وافر من الحرية والعمل في المجتمعات سواء كن من السيدات أو فتيات عاديات بل حتى الجواري كن بفضل هذه الحرية التي يتمتعن بها يتساوين مع الرجال في الحياة العامة. فقد شاركنهم الحياة العقلية فألفن كتب علمية كما قلن الشعر وكتبن النثر وألقين الخطب وتفنن في مختلف فنون الشعر حتى الغزل فعبرن عن حبهن وكن وحالهن هكذا يشبهن تماماً الجاهليات. وقد جاءتنا أخبار ستين سيدة اشتهرن بقول الشعر، كما وصلنا ديوان كامل لشاعرة من الشاعرات الشهيرات. والتاريخ الأندلسي يعرف أسماء شاعرات عديدات بلغن في قولهن الشعر صيتاً بعيداً، ومن بينهن هذه الجميلة التي نبغت في إجادة الشعر والعزف على العود. وكذلك الشاعرة العظيمة حفصة التي اشتهرت بحبها للشاعر أبي جعفر وذاع صيتها وصيت هذا الحب في جميع أنحاء الأندلس. ثم نجد الأميرة «أمر الكرام» والمغنية التي غنت أمير الأندلس الولهان المسمى المنصور حيث أبانت عن حبها دون خجل لوزيره، ولما أدركت غيرته عليها وغضبه انتقدت نفسها ببيت شعر.

<<  <   >  >>