للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهذا الحب العذري نجده أيضاً في الأندلس وقد عبر عنه ابن حزم بقوله: «ثم هجر يوجبه العتاب لذنب يقع من المحب، وهذا فيه بعض الشدة لكن فرحة الرجعة وسرور الرضى يعدل ما مضى، فإن لرضى المحبوب بعد سخطه لذة في القلب لا تعدلها لذة وموقفاً من الروح لا يفوقه شيء من أسباب الدنيا، وهل شاهد مشاهد أو رأت عين أو قام في فكر ألذ وأشهى من مقام قد قام عنه كل رقيب وبعد عنه كل بغيض وغاب عنه كل واش واجتمع فيه محبان قد تصارما لذنب وقع من المحب منهما وطال ذلك قليلاً وبدأ بعض الهجر ولم يكن ثم مانع من الإطالة للحديث فابتدأ الحب في الاعتذار والخضوع والتذلل والأدلة بحجته الواضحة من الإدلال والإذلال والتذمم بما سلف فطوراً يدلي ببراءته وطوراً يرد بالعفو ويستدعى المغفرة ويقر بالذنب ولا ذنب له، والمحبوب في كل ذلك ناظر إلى الأرض يسارقه اللحظ الخفي، وربما أدامه فيه ثم يبسم مخفياً لتبسمه وذلك علامة الرضى، ثم ينجلي مجلسهما عن قبول العذر ويقبل القول. وامتحت ذنوب النقل وذهبت آثار السخط ووقع الجواب بنعم وذنب مغفور، ولو كان فكيف ولا ذنب وختما أمرهما بالوصل الممكن وسقوط العتاب والإسعاد وتفرقا على هذا. هذا مكان تتقاصر دونه الصفات وتتلكن بتحديده الألسنة. ولقد وطئت بساط الخلفاء وشاهدت محاضر الملوك، فما رأيت هيبة تعدل هيبة محب لمحبوبه، ورأيت تمكن المتغلبين على الرؤساء وتحكم الوزراء وانبساط مدبري الدول، فما رأيت أشد تبجحاً ولا أعظم سروراً بما هو فيه من محب أيقن أن قلب محبوبه عنده ووثق بميله إليه وصحة مودته له. وحضرت مقام المعتذرين بين أيدي السلاطين ومواقف المتهمين بعظيم الذنوب مع المتمردين الطاغين فما رأيت أذل من موقف محب هيمان بين يدي محبوب غضبان قد غمره السخط وغلب عليه الجفاء، ولقد امتحنت الأمرين وكنت في الحالة الأولى أشد من الحديد وأنفذ من السيف لا أجيب إلى الدنية ولا أساعد على الخضوع، وفي الثانية أذل من الرداء وألين من القطن أبادر إلى أقصى غايات التذلل لو نفع وأغتنم فرصة الخضوع لو نجع وأتحلل بلساني فأغمض على دقائق المعاني ببياني وأفنن القول فنوناً وأتصدى لكل ما يوجب الترضي».

وأقوى من هذا ويتفق لفظاً وتصويراً عرض المرأة المثالية التي ترتفع حتى تبلغ

<<  <   >  >>