للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يعتقد أنها له وأنه لها منذ أول الخليقة، وهي فكرة تذكرنا بحب «جوته» للسيدة «فون شتين».

إلا أن المحبين لا يتغلب كل منهما على قبيلته والموقف العدائي لكل قبيلة من الأخرى. لكن حبه يقضى على الزمان والمكان، إنه حب قوي عنيف إلا أنه بالرغم من ذلك قنوع متواضع حيث يتوسل إلى حبيبته التي لا ينالها معتقداً أنها له ولا لشيء أرضى حتى الموت يربطه ويتصل به أو يقضي على هذا الحب.

وهناك نوع آخر من الحب هو ذلك الذي نجده بين الحارث بن عوف شيخ قبيلة مرة وبين بهيسة، وبالرغم من قوة الحارث كان يضعف ويخضع لحبيبته التي كانت في حين لآخر تريد أن تفرض عليه إرادتها وقوتها.

وحوالي عام? ? ? م نجد هذا النوع من الحب العذري حب جميل نجده عند عباس ابن الأحنف في قصر هارون الرشيد لإحدى جواري هارون الرشيد مثلها مثل عباس بن الأحنف ذاته، إلا أنها تتفوق عليه لجمالها وعفتها؛ لذلك قال إذا عبد إنسان كائناً لجماله فملكتي يجب أن تكون إلهاً. وبالرغم من أنها جارية عادية فإنه كان يقدسها كما لو أنها كائن سماوي رحمته أو قست عليه، وكما أن المسلم عبدالله فهو عبدها المخلص الأمين. وكانت الحبيبة تسيطر على فؤاده، واستسلامه لها هو الذي يرفعه ويسمو به.

أما «أوفيد» العرب في الغزل فهو على بن حزم (٩٩٤ - ١٠٦٤) ولو أنه أصلاً من أسرة غوطية غريبة اعتنق الجيل الرابع منها الإسلام، وكان يعيش عيشة عربية وتزوج عربية وتقلد أسمى المناصب في بلاط قرطبة، ويدعى العرب أنه زور في نسبه، وأنه يقول إنه انحدر من مولى أعتقه الخلفاء الأمويون في دمشق. ومثل هذه الأخبار ليست نادرة، لكن النادر حقاً أن دخيلاً على العرب تتقمصه الروح العربية والعقلية العربية مثل ابن حزم، هذا الشاعر الغزلي العذري وإلى جانب ذلك كان فيلسوفاً وصوفياً، ففي كتابه الشهير حول الحب نظرياً وعملياً، والمعروف باسم» طوق الحمامة» يعترف بأن الاستسلام للحبيب موقف يعجز الوصف عن تصويره، وتخرس الألسنة عن التعبير عنه كما سبق أن تبينا هذا من عباراته وشعره.

<<  <   >  >>