للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ماء الورد على أخلاط الطبيب وعجنت بالأيدي حتى عادت كالطين وخاضتها مع جواريها، وغاضبها في بعض الأيام فأقسمت أنها لم تر منه خيراً قط فقال لها: «ولا يوم الطين» فاستحيت واعتذرت.

وكان المعتمد متيماً باعتماد لا يتردد في الركوع أمامها واسترضائها، لم يكن يهمه أنها كانت فتاة من الشعب، وأنها ولدت في أفقر الأحياء بينما ولد هو في قصر، كذلك كان حال الحاكم الأموي «الحكم الأول» حوالي عام ٨٠٠ م حيث كان أميراً على الأندلس. فبالرغم من قسوته وجبروته كان أمام جميلات قصره ضعيفاً كالأسير الذليل، كذلك كان في شرق العالم الإسلامي الخليفة هارون الرشيد وخليفة قرطبة سليمان حفيد عبد الرحمن الأكبر.

إن الشعب العربي شعب شعراء وغزلياته لم تكن رياء ونفاقاً بل حقيقة تعبر عن شعور حقيقي، وإن الضعف أمام الحبيبة لم يكن أقل من الخضوع والتوسل إلى الله وإن صلة الإنسان بحبيبته لم تكن تخالف صلته بخالقه.

إن العربي في صحرائه التي لا تعرف إلا اللانهائية كان يدرك تفاهته بالنسبة للبيئة التي يعيش فيها وضعف قواه وإرادته، كما يؤمن بأن وجوده يتوقف على إرادة القوى العظيم، لذلك وصف الله بأنه الرحمن الرحيم، وهاتان هما أهم صفاته، ولن يستطيع إنسان بلوغ رحمة الله إلا عن طريق التواضع والاستسلام له، لذلك كان المسلمون الحقيقيون هم «المسلمين» وعن طريق التواضع يفرق بين المؤمن وغير المؤمن. الإسلام هو الاستسلام لله وإرادته وأن يصير الإنسان عبداً لله. فهذه الصفات التي يتصف بها الحب الإلهي، انعكست على الشعر العربي الغزلي، وهذه الظاهرة ندركها حتى في الغزل الجاهلي. ولعل من أقدم وأنبل أنواع الحب والغزل ذلك النوع المعروف باسم الحب العذري نسبة إلى قبيلة بني عذرة الذين يموتون عندما يحبون. وهذا النوع قد يشبه الحب الأفلاطوني عند اليونان، وكان لهذا الحب الأفلاطوني في أوربا الأوقات الخاصة وذلك عندما يجد العرب نوعاً من الحب الذي يتحكم فيه العقل، وقد انتشر على طول حدود العالم الإسلامي حيث انتشر هذا الحب العذري، فنجد أمثال جميل بثينة يغني في الحب أي حب بثينة، حيث

<<  <   >  >>