للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأرض تحت أقدامهم تحية للملك الشاعر وهو من قبيلتهم؛ وبعد ذلك بمائتين وخمسين عاماً رحل حاج مخترقاً مراكش وكان وزير ملك غرناطة، وهذا الحاج هو ابن الخطيب الطبيب ومكتشف وباء الطاعون فأدى به طريقه إلى «أغمات، إلى قبر المعتمد واعتماد، وذلك في سفح تل تكسوه زهرة اللوتس وعندما وقف أمام القبور المهدمة الموحشة وعيناه تذرفان الدموع ارتجل أبياتاً منها:

قد زرت قبرك عن طوع بأغمات ... رأيت ذلك من أولى المهمات

وذيل الكتاب بقوله إنه سيعود إليها «إن شاء الله ربي» أو شاء ابن عمار. ولما علم ابن عمار بالأمر وجه إليه أبياتاً منها:

مولاي عندي لما تهوى مساعدة ... كما يتابع خطف البارق الساري

والمعتمد يعرف تماماً أن الصديق يدرك تماماً الإدراك مدى حبه لاعتماد، وأن هذا الحب جعل منه عبداً لاعتماد. وبالرغم من أنها لم تكن مثقفة ثقافة عالية أو تربت تربية خاصة إلا أنها سحرته وقد ملك كل ما فيها قلبه. إنها ذكية نبيهة وشاعرة موهوبة، هذا فضلاً عن مرحها وطفولتها وما يبدو منها أحياناً من دلع ودلال. ففي أحد أيام شهر فبراير شاهدها تبكي في أحد نوافذ القصر وهي تشاهد الثلج يتساقط من السماء فسألها المعتمد عن سبب بكائها فأجابته: «إنك طاغية جبار غشوم، انظر إلى جمال ندف الثلوج البارقة اللينة العالقة بغصون الأشجار، وأنت أيها الناكر للجميل لا يخطر ببالك أن توفر لي مثل هذا المنظر الجميل كل شتاء ولا تصحبني إلى بلد يتساقط فيه الثلج في الشتاء» فسارع المعتمد وجفف دموعها قائلاً: «لا تحزني ولا تستسلمي لليأس يا سلوة النفس ومنية القلب فإني أعدك وعداً صادقاً أنك سترين هذا المنظر الذي أدخل على قلبك السرور كل شتاء، وأمر بزرع أشجار اللوز على جبل قرطبة حتى إذا نور زهره بدت الأشجار وكأنها محملة بقطع الثلج الناصعة البياض.

ومن مشهور أخبارها مع المعتمد القصة المعروفة في قولها: «ولا يوم الطين»، وذلك أنها رأت الناس يمشون في الطين فاشتهت المشي فيه فأمر المعتمد فسحقت أشياء من الطيب وذرت في ساحة القصر حتى عمته ثم نصبت الغرابيل وصب فيها

<<  <   >  >>