مما اضطر الخليفة إلى التوسع في صناعته خدمة للاقتصاد واستغناء عن البردي المصري، كما أصدر مرسومًا يحرم استخدام البردي في الأعمال الحكومية وطالب الموظفين وغيرهم باستخدام الورق الرخيص فقط. ولما تولى هارون الرشيد بلغ تشجيع الورق وصناعته حتى إن الوزير البرمكي يحيى بن خالد أقام عام ٧٩٤ م أول مصنع لصناعة الورق في بغداد، وهكذا نجد المصانع في دمشق وطرابلس الشام وفلسطين ومصر وتونس ومراكش وأسبانيا. وعن صقلية وأسبانيا أخذت أوربا صناعة الورق الذي هو أهم ركن من أركان الثقافة الإنسانية. فالورق يختم عصرًا من عصور تاريخ الحضارة كما أن انتشاره قضى على عصر احتكار العلم والمعرفة وبعد أن كانت الحكمة ملكًا لطائفة بعينها أصبحت اليوم للجميع وهي ترحب بكل من يخطبها. الورق هو العمود الفقري للمعرفة الإنسانية وهو أهم الوسائل لنشرها في مختلف الطبقات والأصقاع للمعرفة الإنسانية وهو من أهم الوسائل لنشرها في مختلف الطبقات والأصقاع بالرغم من أننا نعيش في عصر الراديو والكهرباء. واستتبع ظهور الورق اختراع الطباعة لا في أوربا فقط بل حتى عند الصينيين والعرب. ففي الغرب نجد أمثال «كوستر» الهولندي و «جوتنبرج» الألماني وقد ساهم كلاهما في هذا الحدث العظيم مساهمة كبرى.
والآن نتساءل: ما هي الوسائل التي استخدمها وزير الخليفة عبد الرحمن الثالث لإعداد أكثر من نسخة من الوثائق الرسمية التي كانت توزع على الدواوين الحكومية في الأندلس؟ هذا ما نجهله، لكن المعروف الثابت أن العرب أوجدوا بعض وسائل الطباعة التي استخدموها في طباعة أوراق النقود وأوراق اللعب، وقد انتقلت أوراق اللعب هذه مع غيرها مثل الشطرنج والضامة. والتي ما زالت تحتفظ باسمها حتى اليوم في أوربا من أسبانيا إلى الغرب.
* * *
وفي أوربا فكرة سائدة تقول: إن مخترع البوصلة هو «فلافيو جيويا» وهو أحد أبناء «أمالقي». والواقع أن فلافيو هذا ليس هو مخترعها وليس هو أول من جاء أوربا بها فأصحاب الفضل في إيجادها هم العرب. وحقيقة اتجاه إبرة البوصلة المغنطيسية إلى الشمال قد عرفها الصينيون في أواخر القرن الأول قبل الميلاد، ويقرر