وفي كل ليلة بعد صلاة العشاء في المسجد يمتطي فارس الأرواح حصانه الأحمر كالحناء في أواني تجميل النساء مخترقًا صحراء خراسان. أما حوافر الحصان فمغطاة بالمحارم البيضاء وحيث يخطر الفارس الذي يحاكي المومياء ويجري بحصانه دون أن يسمع له صوت بين التلال الواطئة يخيم سكون الليل وينتشر الأمان. هناك الأسلحة والكيس المملوء بفدية البدو العائدين من الأسواق إلى خيامهم وهذه غنائمه الثابتة الخاطفة.
موسى بن شاكر يتردد منذ أيام وسنين على قصر الخليفة وهو عالم وقور بين الفلكيين والمهندسين من رجالات المأمون كما أنه صديق حميم للحاكم. لكن موسى بن شاكر هذا لا يكاد يفرغ من صلاة العشاء في المسجد الكبير حتى يتحول إلى لص، بالرغم من السلاسل الذهبية التي كانت تقيده بالقصر، هذا القيد الذي كان في صالح الخليفة، كذلك لم ينس موسى بن شاكر أن والديه وأجداده الذين كانوا قديمًا، يعلم الله وحده، لصوصًا قد جاءوا به إلى هذا الوجود كأحد أبناء الصحراء الأحرار ..
لذلك كان ينتهز موسى مجيء الليل وينطلق إلى الصحراء حيث يحيا حياة البداوة بتقاليدها القديمة وعاداتها وحيث الغزو والسلب والنهب حسب تعاليم الفروسية، والفتوة عمل مشرف يقوم به الفتى الحر الأبي. وهكذا نجد موسى يمضي ساعات الليل الطويلة فوق صهوة جواده لا يسمع له أحد صوتًا ولا صديق له إلا نجوم الليل، فهي أنيسة ودليلة شأنها معه كشأنها مع شعبه وأمته منذ آلاف السنين وفي مختلف العصور والأماكن.
ولا يكاد الليل يولى حتى يعود هذا الفارس الروحي المجهول الاسم إلى حالته