الجسدية العادية التي يعرفها سكان العاصمة. وعندما تتبين العين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من طلوع الفجر ويؤذن المؤذن للصلاة يركع موسى بن شاكر إلى جوار جاره في المسجد ساجدًا لله شكرًا على ما أولاه من مساعدة إذ أرسل له نفرًا من الفرسان الذين هدوه سواء السبيل حيث توجد الغنائم وتكثر الأسلاب.
هل يعتقد المأمون أن الرجل الذي يحتل مكانًا مرموقًا بين علماء قصره وينزل من قلب المأمون مكانًا يحسده عليه الكثيرون هو بعينه الذي يحيا حياتين؟ ثم كثرت حوادث النهب وأعمال السلب في الطرق وكثر عدد الذين شرقوا ونهبوا؛ لذلك اتجهت أنظار الدولة إلى تحقيق هذه الجنايات فحامت الشبهات حول موسى بن شاكر الفلكي، إلا أن الجماعة الإسلامية على استعداد للشهادة على أن موسى هذا كثيرًا ما يشاهد في المسجد صباحًا ومساء ومنذ زمن بعيد يواظب على أداء فروض الله فلا يجد الخليفة مناصًا من السكوت.
لقد أثبت موسى أنه حذر ذكي ويتجلى لنا هذا الذكاء وبعد النظر في تولية الخليفة وصيًا على أولاده القصر إذا ما عاجلته منيته أو تمكن خصومه منه وثأروا لأنفسهم ولأموالهم، وقد تحقق بعد نظر موسى وتولى الخليفة الوصاية على أبنائه ونشأتهم تنشئة علمية صادقة جعلت منهم علماء فلكيين يشار إليهم بالبنان في قصر الخليفة ببغداد.
هذه قصة حقيقية لا غبار عليها وقد وقعت إبان عصر القيصر كارل الأكبر في أوربا وتمت عندما أغمض القيصر عينيه. إن قصة موسى وقعت حوادثها في واحة مرو البعيدة في وادي مرغاب حيث كان يقيم المأمون بعد أن ترك بغداد عقب وفاة والده هارون الرشيد وزوال دولته. والقصة حقيقية أيضًا من ناحية أخرى ولو من جهة الرمزية فهي تصور حياة البدو الجاهليين الليلية عندما تغيب الشمس بوهجها المحرق وتقبل موجات النسيم العلية وتتلألأ النجوم في القبة الزرقاء وعلى ضوئها يقرأون وهم يرعون الماشية أو يقومون بغزواتهم. أما الآن وقد هداهم الله إلى دينه الحنيف وتثقفوا بتعاليمه السامية العالية فقد أقبلوا على العلوم يتدارسونها ويتأملون السماء بنجومها وأفلاكها وحركاتها.