للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لقد اعتمد العرب أبناء الصحراء أكثر من غيرهم من أبناء الشعوب الأخرى كاليونان والرومان والجرمان على التأمل في السماء ومراقبة الأفلاك والنجوم، فالعرب وهم البدو الرحل كانوا يتجولون في لا نهائية الصحراء ولا يرون في حلهم وترحالهم إلا السماء ونجومها التي تحول ظلمة الليل إلى نهار وضاح، ولا شك في أن هذه الظواهر الفلكية تترك في نفس ساكن الصحراء وسهولتها فلا جبال تنكسر عندها أشعة الإبصار ولا تلال ولا بحار، أدركنا أثر كل ذلك في البدوي عندما يشاهد الأفق البعيد تتخلله طبقات الهواء.

وفي وسط هذه الأبعاد المتشابهة التي تكاد تكون واحدة اللهم إلا هذه التلال المتنقلة من بحار الرمال نجد النظرة البدوية حرة طليقة لا يوجد ما يعترضها ويوجهها اتجاهًا خاصًا، وهذه بدورها تؤثر في حياة البدوي زمانًا ومكانًا، فهو في عراك دائم مع الأنواء والرعود والبرق والمطر واختلاف درجات الحرارة وتعاقب الليل والنهار، والآن قد يسهل علينا إدراك الاعتقاد العربي في الكواكب وسائر الأجرام السماوية وكيف أنها مظهر من مظاهر القوى الإلهية فقبيلة نسام قدست «الدبران» بنوره المائل إلى الحمرة، وطلوعه كان مصحوبًا دائمًا بالغيث والخير العميم من طعام وشراب.

أما قيس فقدست الشعرى أكثر النجوم ضوءًا، وهو الذي يتخلل طريق التبان، وقد استولى الشعرى على أفئدة العرب بجماله الممتاز. وقد ظل تقديس الكواكب حتى صدر الإسلام وبخاصة بين القبائل الوثنية كالصابئة، وقد تخرج من بينهم نفر من خيرة العلماء العرب وبخاصة في الفلك أمثال: ثابت بن قرة والبتاني الذي عرفته العصور الوسطى تحت اسم «الباتيجنيوس»، وقد اعترفت له أوربا كأستاذ من أكبر الأساتذة العرب الذين أخذت عنهم أوربا الشيء الكثير.

أما خيال اليونان الشاعري فقد صور لهم السماء وكأنها بكواكبها ونجومها وسائر أجرامها هي مصدر الأبطال ووحي الأساطير، كما خلع هذا الخيال على النجوم صورًا قد تغاير حقيقتها في السماء. أما الطبيعة العربية وهي أقرب إلى الواقعية من غيرها فقد تصورت السماء وكأنها أنموذج لعالمهم عالم البداوة بكل ما فيها مما يحياه

<<  <   >  >>