البدوي في صحرائه، وذهب العربي بعيدًا فجعل من كل نجم تمثيلية خاصة ففي شمال السماء يشاهد راعيًا يرعى ومعه كلبه وقطيعًا من الغنم وعجلين وعنزًا وتيسًا وناقة وفلوًا وجملا يرعى بمفرده وحول هذا القطيع ضبع وضبعتان وضغارها، وهناك ابنا آوى يقفان خلف البعير، وحيث يتلألأ في السماء نهر المجرة يوجد عش للنعام وإلى جواره خمس نعامات وبعيدًا قليلًا يجتمع ذكرا نعام وبعض صغار النعام كما يشاهد بيض نعام وقشر بيض مكسور بالقرب من العش.
تلك هي بعض مناظر الحياة لا صلى تربط بينها وبين الصور السماوية التي نجدها عند البابليين أو اليونانيين، ونحن نعلم أن اليونانيين تعلموا الفلك عن أساتذتهم البابليين. واتخذ اليونانيين من بعض مجموعات النجوم ما اتخذوه منها صورًا لآلهتهم وأبطالهم حسب مواقعها مثلا النجوم (لا) على كتف والنجم (y) على ظهر الحصان المجنح. أما العرب فلم يتصوروا النجوم في هيئة صور بل سموا بعض النجوم أسماء هامة؛ لذلك أصبح عدد أسماء النجوم عند العرب يفوق بكثير الأسماء اليونانية.
وعندما ترجم العرب أيام الخليفة هارون الرشيد وابنه المأمون كتاب الفلك للمؤلف «هيبارش» الأكبر، وكذلك فهرس النجوم الذي وضعه نفس المؤلف ونقحه بطليموس وقدمه لنا في الماجسط، اختلطت الأسماء العربية القديمة للنجوم والكواكب مع الألفاظ اليونانية، وبخاصة أن الأسماء العربية كانت لا تزال حية مستخدمة متواترة في أشعارهم وأغانيهم وقصصهم. لذلك لا عجب إذا رأينا أن معظم أسماء النجوم والكواكب المستعملة حتى يومنا هذا عربية أو ترجع إلى أصل عربي، وأوربا التي درست الفلك على أساتذة مسلمين تستخدم حتى اليوم الأسماء العربية مثل:«الدبران» و «الجنوب» و «الغول» و «الكرب» و «الطائر» و «الواقع» و «بيت الجوزاء» و «ذئب» و «فم الحوت» و «رجل» وغيرها.
ولا يقتصر الأمر على أسماء الكواكب والنجوم بل هناك كثير من الاصطلاحات الفلكية المتداولة على ألسنة العامة قد أخذتها أوربا عن العرب مثل:«السمت» و «النظير» و «القنطرة» و «الحضيض» و «تيودوليت».