للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان البرقعيدي، مغنياً، وسليمان بن فهد وزيراً، وأبو جابر حاجباً، فالتمس شرف الدولة من هذا الشاعر، أن يهجو المذكورين، ويمدحه فأنشد هذه الأبيات ارتجالاً، وهي غريبة في بابها، لم يسمع بمثلها، ولم يرض قائلها بصناعة التخلص وحدها، حتى رقي في معانيه المقصودة إلى أعلى منزلة.

فابتدأ البيت الأول بهجو البرقعيدي، فجاء في ضمن مراده ذكر أوصاف ليل الشتاء جميعها، وهي الظلمة والبرد والطول، ثم إن هذه الأوصاف الثلاثة جاءت ملائمة لما شبهت به مطابقة له وكذل البيت الثاني والثالث

ثم خرج إلى المديج بألطف وجه، وأدق صنعة، وهذا يسمي الاستطراد وما سمعت في هذا الباب بأحسن من هذه الأبيات (١)

كما أنك نجد تلك الأبيات في الكامل؛ لابن الأثير، وهي - أيضاً - في قرواش، وابن فهد، البرقعيدي، وأبي جابر، كما تجدها في معجم الأدباء، وأن الأبيات في هجاء سليمان بن فهد، الموصلي، ومدح قرواش ابن المقله، أمير بني عقيل مع تغيير يسير.

ولما لم يكن ابن جنى منتسباً إلى أصل عربي، فقد أحس بأن عليه أن يعوض هذا النقص (٢)، فانكب على العلم يرتوي من معينه، ويأخذ بأسبابه حتى علت مكانته، وعظم قدره، مما جعل الثعالبي يقول: هو القطب في لسان العرب، وإليه انتهت الرياسة في الأدب. وكان الشعر أقل خلاله (٣) لعظم قدره، وارتفاع حاله.

ولهذا يقول ابن جنى من قصيدة طويلة (٤)


(١) المثل السائر ٢٨٠
(٢) معجم الأدباء ١٢/ ١١٥
(٣) يتيمة الدهر ١/ ١٠٨
(٤) نزهة الألباب ٢٢٠

<<  <   >  >>