للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويمضي ابن جنى مبيناً ما في الحديث الشريف من تشبيه، وتوكيد، فيقول:

وأما التشبيه: فلأن جريه يجري في الكثرة مجرى مائه.

وأما التوكيد: فلأنه شبه العرض بالجوهر، وهو أثبت في النفوس منه، والشبه في العرض منتفية عنه، ألا ترى أن من الناس من دفع الأعراض، وليس أحد دفع الجواهر؟ !

ثم يمثل ابن جنى أيضاً بقول الله تعالى: "وأدخلناه في رحمتنا، مبيناً" أن فيه الأوصاف الثلاثة الماضية، وهي الاتساع، والتشبيه، والتوكيد أما الاتساع، فلأنه كأنه زاد في أسماء الجهات، والمحال أسما هو: الرحمة.

وأما التشبيه: فلأنه شبه الرحمة - وإن لم يصح دخولها - بما يجوز، دخوله، فلذلك وضعها موضعه.

وأما التوكيد: فلأنه أخبر عن العرض بما يخبر به عن الجوهر، وهذا تعال بالعرض وتفخيم منه، إذ صير على حيز ما يشاهد، ويلمس، ويعاين (١).

وأنت ترى ابن جنى: كأنه يميل إلى أن في الكلام استعارة بالكناية، فشبه الرحمة بمكان، ودل على ذلك يلازم المشبه به، وهو الإدخال، والمعروف أن بالآية تجوزاً بالرحمة عن الجنة، من إطلاق السبب على المسبب، وهذا مجاز مرسل (٢).

وحمل عليه قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (٣):


(١) الخصائص ٢/ ٤٤٣
(٢) تعليق الأستاذ محمد علي النجار ٢/ ٤٤٣ من الخصائص.
(٣) ديوان الحماسة ٢/ ٢٩٨ والأمالي للقالي ٢/ ٢٢٣ والأغاني ٨/ ٩٤ والمختار من شعر بشار ١٥٤ منسوب إلى الحارث بن خالد المخزومي.

<<  <   >  >>