فقد وصف بالتغلغل ما لا يوصف به، لأنه وصف يخص في الحقيقة الأعيان لا الأحداث.
وهذا وجه الاتساع كما يقول ابن جنى.
فأما التشبيه، فلأنه قد شبه ما لا ينتقل ولا يزول، بما يزول وينتقل وأما المبالغة والتوكيد، فلأنه أخرجه عن ضعف العرضة إلى قوة الجوهرية ثم حمل عليه - أيضاً - قول الآخر:
فرعت ظنابيب الهوى يوم عالج ... ويوم النقا، حتى قرت الهوى قسراً
وقول الآخر:
ذهوب بأعناق المثين عطاؤه ... عزوم على الأمر الذي هو فاعله
وقول كثير:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكاً ... غلقت لضحكته رقاب المال
وقول طرفة:
ووجه كأن الشمس حلت رداءها ... عليه نقى اللون لم يتحدد
حيث جعل للشمس رداء، وهو جوهر، لأنه أبلغ في النور الذي هو العرض ثم يقول وهذه الاستعارات كلها داخلة تحت المجاز.
وهكذا ترى أن ابن جنى قد أطلق على ما في الأبيات الأربعة بأنه استعارات وأن تلك الاستعارات داخلة في دائرة المجاز.
مع أن ما في البيت الثاني وهو قوله (بأعناق المثين) إنما هو من قبيل المجاز المرسل حيث عبر عن الإبل بأعناقها، من إطلاق الجزء، وإرادة الكل.