للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وهذا الكلام مجاز" وفيه قولان:

أحدهما. أن المسجد يتنزه عن النخامة - وهي البصقة - بمعنى أنه يجب أن يكرم عنها، وألا يبتذل بها، فإذا رؤيت عليه كانت شانته له، وزاديه عليه، فكان معها، بمنزلة الرجل ذي الهيئة، يشمئز مما يهجنه، وينقبض عما يدنسه، وأصل الأنزواء: الانحراف مع تقبض وتجمع.

والقول الآخر: أن يكون المراد أهل المسجد، فأقيم المسجد في الذكر مقامهم، لما كان يشتمل عليهم وعلى ذلك قول الشاعر:

واستب بعدك - يا كليب - المجلس

والمراد: أهل المجلس، لأن الاستباب (أي أن يسب بعضهم بعضاً) لا يكون بين القاعات والجدران، وإنما يكون بين الإنسان والإنسان، فالمعنى أن أهل المسجد ينقبضون من النخامة، إذا رأوها فيه ذهاباً به عن الأدناس، وصيانة له عن الأدران (١).

وواضح من هذين الرأيين اللذين أوردهما الشريف الرضى: أنه على الرأي الأول: شبه المسجد بالرجل ذي الهيئة، لأنه جعله يشمئز مما يهجنه، وينقبض عما يدنسه ثم حذف المشبه به وأبقى لازمه وهو الاشمئزار والانقباض على سبيل الاستعارة المكنية وعلى الرأي الأخر: يكون قد سمى القوم مجلساً، لاشتماله عليهم، من تسمية الشيء باسم محله، على حد قوله تعالى: "وأسأل القرية، أي، أهلها، وهذا هو المجاز المرسل.

وألم ابن رشيق المتوفى سنة ٤٥٦ هـ بما قاله ابن جنى في الخصائص، وما قاله الشريف الرضى في المجازات النبوية، فذكر أنهم خضوا به (أي بالمجاز)


(١) المجازات النبوية ١٤٦، ١٤٧

<<  <   >  >>