ومنه قوله تعالى:"إن أصبح ماؤلم غوراً" أي: غائراً، وقول الخنساء
فإنما هي إقبال وإدبار
أي. مقبلة. مدبرة
والثالث: أنه إذا وصف بالمصدر، صار الموصوف كأنه - في الحقيقة - مخلوق من ذلك الفعل، وذلك لكثرةة تعاطيه له، واعتياده إياه وبدل على أن هذا معنى لهم، ومتصور في نفوسهم قوله:
ألا أصبحت أسماء جاذمة الجبل ... وضنت علينا والضنين من البخل
أي: كأنه مخلوق من البخل لكثرة ما يأتي به منه.
ومنه قول الآخر:
وهن من الإخلاف والولعان
وقوله:
وهن من الأخلاف بعدك والمطل
وأصل هذا الباب - عند ابن جنى - قول الله - عز وجل -: "خلق الإنسان من عجل"، فقولك: هذا رجل دنف بكسر النون، أقوى إعراباً، لأنه هو الصفة المحضة غير المتجوزة ولكن قولك: هذا رجل دنف بفتح النون، أقوى معنى، لكونه كأنه مخلوق من ذلك الفعل (١).
الرابع: أن هذا المعنى الذي فهمه ابن جنى من الآية الكريمة "خلق الإنسان من عجل" وهو: أنه جعل الإنسان كأنه مخلوق من العجل نفسه لكثرة فعله إياه، واعتياده له، أقوى معنى من أن يكون أراد خلق العجل