فقد ترى إلى علو هذا اللفظ ومائه، وصقا له، وتلامح أنحائه، ومعناه مع هذا ما تحسه وتراه، إنما هو: لما فرغنا من الحج ركبنا الطريق راجعين، وتحدثنا على ظهور الإبل؛ ولهذا نظائر كثيرة، شريفة الألفاظ، رفيعتها، مشروفة المعاني خفيضتها (١).
ويرد ابن جنى على هذا الاعتراض قائلاً: هذا الموضع قد سبق إلى التعلق به من لم ينعم النظر فيه، ولا رأى ما أراد القوم منه؛ وإنما ذلك لجفاء طبع الناظر، وخفاء غرض الناطق.
وذلك أن في قوله:(كل حاجة): ما يفيد منه أهل النسيب والرقة، وذوو الأهواء والمتعة، ما لا يفيده غيرهم، ولا يشاركهم فيه من ليس منهم؛ ألا ترى أن من حوائج (منى) أشياء كثيرة غير ما الظاهر عليه، والمعتاد فيه سواها؛ لأن منها: التلاقى، ومنها: التشاكي، ومنها: التخلي؛ إلى غير ذلك مما هو قال له، ومعقود الكون به، وكأنه صانع عن هذا الموضع الذي أوماً غليه وعقد غرضه عليه، بقوله في آخر البيت:
ومسح بالأركان من هو ماسح
أي: إنما كانت حوائجنا التي قضيناها، وآرابنا التي أنضيناها، من هذا النحو الذي هو: مسح الأركان، وما هو لاحق به، وجار في القربة من الله مجراه، أي: لم يتعد هذا القدر المذكور إلى ما يحتمله من التعريض الجاري مجرى التصريح وأما البيت الثاني: فإن فيه:
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
(١) ردد أبو هلال العسكري هذا الكلام في الصناعتين ٧٣