للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك أنه لو قال: أخذنا في أحاديثنا، لكان فيه معنى يكبره أهل النسيب، وتعنو له معية الماضي الصليب؛ فقد شاع بينهم واتسع في محاوراتهم علو قدر الحديث بين الأليفين، والفكاهة بجمع شمل الأليفين؛ فإذا كان قدر الحديث - مرسلاً - عندهم هذا، فكيف به إذا قيده بقوله: (بأطراف الحديث)؟

وذل أن في قوله: (بأطراف الأحاديث) وحياً خفياً، ورمزاً حلواً، ألا ترى أنه يرى بأطرافها: ما يتعاطاه المحبون، ويتفاوضه ذوو الصبابة المتيمون، من التعريض، والتلويح، والإيماء، دون التصريح، وذلك أحلى وأدمث. وأغزل وأنسب من أن يكون مشافهة وكشفاً، ومصارحة وجهراً، وإذا كان كذلك فمعنى هذين البيتين أعلى عندهم، وأشد تقدماً في نفوسهم من لفظهما؛ وإن عذب موقعه، وأنق له مستمعه.

نعم، وفي قوله:

وسالت بأعناق المطى الأباطح

من الفصاحة ما لا خفاء به، والأمر في هذا أسير، وأعرف، وأشهر" (١).

ثم يشفع ابن جنى هذا الرد بدليل آخر على أن "العرب إنما تحلى ألفاظها وتدبحها وتشيها، وتزخرفها؛ عناية بالمعاني التي وراءها. وتوصلاً إلى إدراك مطالبها، بقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن من الشعر لحكماً، وإن من البيان لسحراً"، فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتقد هذا في ألفاظ هؤلاء القوم، تلك الألفاظ التي جعلت مصايد وأشراكاً للقلوب، وسبباً


(١) الخصائص ١/ ٢٢٠

<<  <   >  >>