للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسلما إلى تحصيل المطلوب، عرف بذلك أن الألفاظ خدم للمعاني، والمخدوم - ولا شك - أشرف من الخادم" (١).

وقد أفاد الإمام عبد القاهر الجرجاني من رد ابن جنى على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ، وإغفالها المعاني، ويتجلى ذلك فيما يلي:

١ - في فاتحة كتاب أسرار البلاغة، يبين أن الفضيلة لا ترجع إلى الألفاظ، لأنها لا تفيد حتى تؤلف ضرباً خاصاً من التأليف، ويعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب، والترتيب، فإذا ما رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً، أو يستجد نثراً، ثم يحمل الثناء عليه من حيث اللفظ، فيقول: حلو رشيق، وحسن أنيق، وعذب سائغ، وحلو رائع، فاعلم أنه ليس ينبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف، وإلى ظاهر الوضع اللغوي؛ بل أمر يقع من المر في فؤاده. وفضل يقتدحه العقل من زناده (٢).

أما استحسان اللفظ من حيث هو لفظ، فإنه لا يكاد يعدو نمطاً واحداً من الكلام، وهو: أن تكون اللفظة مما يتعارفه الناس في استعمالهم ويتداولونه في زمانهم، ولا يكون وحشياً غريباً، أو عامياً سخيفاً.

٢ - أفاد عبد القاهر من عبارة ابن جنى: "إن الألفاظ خدم للمعاني" فذكر أن من أقام الكلام ما يتوهم في بدء الفكرة، وقبل إتمام العبرة: أن الحسن والقبح فيها لا يتعدى اللفظ والجرس إلى ما يناجي فيه العقل النفس، ومنها: التجنيس، والسجع، فإنك لا تستحسن تجانس اللفظين إلا إذا كان موقع معنييهما من العقل موقعاً حميداً ولم يكن مرمى الجامع بينهما مرمى بعيداً؛ ولهذا ذم الاستكثار منه، والولوع به لأن المعاني


(١) نفس المصدر.
(٢) أسرار البلاغة ٣، ٤

<<  <   >  >>