للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تدين في كل موضع لما يجذبها التجنيس إليه، لأن الألفاظ خدم المعاني، والمصرفة في حكمها، فكانت هي المالكة سياستها، والمستحقة طاعتها، فمن نصر اللفظ على المعنى، كان كمن أزال الشيء على جهته، وأحاله عن طبيعته، وذلك مظنة الاستكراه، وفيه فتح أبواب العيب والتعرض للشين (١).

٣ - أفاد عبد القاهر من عبارة ابن جنى "أن الألفاظ أوعية للمعاني" وهو يشرح معنى النظم، مبيناً أن القصد فيه إلى المعنى لا إلى اللفظ، قائلاً: "واعلم أن ما ترى أنه لابد منه، من ترتيب الألفاظ وتواليها على النظم الخاص، ليس هو الذي طلبته بالفكر، ولكنه شيء يقع بسبب الأول (أي المعنى) ضرورة، من حيث أن الألفاظ إذا كانت أوعية للمعاني فإنها - لا محالة - تتبع المعاني في مواقعها، فإذا وجب لمعنى أن يكون أولاً في النفس وجب عليه أن يكون مثله أولاً في النطق" (٢).

٤ - أفاد عبد القاهر من رد ابن جنى على ابن قتيبة في إدعائه أن قول الشاعر: (ولما قضينا من منى كل حاجة ... الخ) جيداً للفظ فارغ من المعنى غير أنه قد تنبه إلى ما لم يتنبه إليه ابن جنى من الاستعارة اللطيفة في قوله: (وسالت بأعناق المطى الأباطح)، لأن ابن جنى لم يزد على أن قال: "نعم وفي قوله: (وسالت بأعناق المطى الأباطح) من الفصاحة مالا خفاء فيه، والأمر في هذا أسير، وأعرف، وأشهر" (٣).


(١) أسرار البلاغة ٨
(٢) دلائل الإعجاز ٤٣
(٣) الخصائص ١/ ٢٢٠

<<  <   >  >>