للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله تعالى: "أخذ عزيز مقتدر" (١)، فمقتدر هنا، أوفق من قادر، من حيث كان الموضع لتفخيم الأمر، وشدة الأخذ (٢)، وهو بهذا يشير إلى أن لكل معنى ما يناسبه من الألفاظ، لأن مقام الترهيب يغاير مقام الترغيب، فللأول شدة الألفاظ وقوتها، وللآخر لين الألفاظ وسهولتها.

ولهذا قال: وعليه - عندي - قول الله - عز وجل -: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسببت" (٣) وتأويل ذلك: أن كسب الحسنة بالإضافة إلى اكتساب السيئة، أمر يسير، ومستصغر؛ والدليل على هذا: قوله الله تعالى: "مت جاء بالحسنة، فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها" (٤).

فقد صغرت الحسنة بالإضافة إلى جزائها، صغر الواحد إلى العشرة، ولما كان جزاء للسيئة إنما هو بمثلها، لم تحتقر إلى الجزاء عنها، فعلم بذلك قوة فعل السيئة، على فعل الحسنة، ولذلك قال - تبارك وتعالى-: "تكاد السموات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هداً، أن دعوا للرحمن ولداً، ولما كان فعل السيئة ذاهباً بصاحبه، إلى هذه الغاية البعيدة المترامية، عظم قدرها وفخم لفظ العبارة عنها، فقيل: "لها ما كست، وعليها ما اكتسبت" فزيد في لفظ فعل السيئة، وأنقص من لفظ فعل الحسنة.

فأساس صغر الحسنة - عند ابن جنى - إنما هو بالمقارنة بينها وبين جزائها، فلما كان جزاؤها عشرة أمثالها، كانت صغيرة بالنسبة له، وأساس عظيم السيئة - عنده أيضاً - إنما هو بالمقارنة بينها وبين جزائها، ولما كان جزاء السيئة إنما هو مثلها، كانت كبيرة بالنسبة له، لأن منها ما يذهب


(١) القمر ٤٦
(٢) الخصائص ٣/ ٢٦٥
(٣) البقرة ٢٨٦
(٤) الأنعام ١٦٠

<<  <   >  >>