للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقولُ: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ} {يَجْتَبِي} بمعنى: يختارُ ويصطفي، وقولُهُ: {إِلَيْهِ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [إلى التوحيد]. أعاد رَحِمَهُ اللَّهُ الضميرَ إلى التوحيدِ، ولكنْ فيه احتمالٌ أقوى مما قال، وهو أنَّ الضميرَ يعودُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أي: اللهُ يجتبي إلى نَفْسِهِ عَزَّ وَجَلَّ من يشاءُ، ويهدي إلى نفْسِه من يُنيبُ، وهذا أحسنُ مما سلك المُفسِّر؛ فاللهُ تعالى يختارُ إليه من يشاءُ - نسألُ اللهَ تعالى أنْ يَجْعَلَنا وإياكم ممن اختارهم إليه، وَيكْرَهُ آخرين - فالأوَّلُون يَهْدِيهم صِراطَهُ المستقيمَ، والآخرون يُضِلُّهُم؛ لأنَّهم هم الذين فعلوا السَّبَبَ.

وقوله: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ} تقدَّم آنفًا قريبًا جدًّا أنَّ كلَّ شيءٍ عَلَّقَه اللهُ بالمشيئةِ فإنه مقرونٌ بالحكمةِ، لا يشاءُ شيئًا إيجادًا أو إعدامًا، أو تغييرًا إلا لحكمةٍ.

وقوله: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي: من يُقْبِلُ إلى طاعته] يقولُ الشارحُ: من يُقْبِلُ إلى طاعتِه فهو يَهْدِيه اللهُ إليه. وقد ثَبَتَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عن ربِّهِ؛ أن اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقولُ: "ما تَقَرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضْتُهُ عليه". يعني: الفرائضَ أحبُّ إلى اللهِ من النوافلِ "ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافلِ حتى أحبَّه، فإذا أَحْبَبْتُه كُنْتُ سَمْعَه الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ التي يمشي بها" (١) وكذلك قال تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الحديثِ القدسيِّ: "من تَقَرَّبَ إليَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إليه ذراعًا، ومن تَقَرَّبَ إليَّ ذراعًا تَقَرَّبْتُ إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" (٢) فمن أناب إلى اللهِ، فإن اللهَ يَهديه إليه؛ ويُعِينُه ويُسَدِّدُه.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم (٦٥٠٢)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، رقم (٧٤٠٥)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم (٢٦٧٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>