للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الرَّبِّ عزَّ وَجَلَّ ثناءٌ ومَدْحٌ للهِ، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ولم يَقُلْ غيْرَ الذين غَضِبْتَ عليهم، بل قال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}؛ ليَشْمَلَ غضبَ اللهِ، وغضبَ أوليائِهِ من الأنبياءِ والصِّدِّيقِينَ والشهداءِ والصالحين، ولئلا يُسْنِدُ اللهُ الغضبَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في هذا المقامِ؛ وإلا فإنَّ الغضبَ قد أُسْنِدَ إلى اللهِ تعالى في قولِهِ: {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: ٦٠].

وقوله: {وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أي: قويٌ، قد يكونُ في الدنيا، وقد يكونُ في الآخرةِ، وقد يكونُ فيهما.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: بيانُ بُطلانِ جميعِ الحُجَجِ المُخالفةِ لدينِ اللهِ، لقولِهِ: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ أولئك المُحَاجِّينَ لا وَجْهَ لمُحَاجَّتِهم؛ لأنَّ الحقَّ قد بان، وقَبِلَه الناسُ؛ لقولِهِ: {مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: بطلانُ حُجَجِ أهلِ الباطلِ؛ لقولهِم: {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن هؤلاء المُبْطِلِين وإن غَلَبوا أهلَ الحقِّ في الظاهِرِ؛ فإنَّ حُجَّتَهُم عندَ اللهِ لا تنفعُهم، بل هي باطلةٌ، وهذا من فوائدِ قولِهِ: {عِنْدَ رَبِّهِمْ}؛ لأنَّ حُجَّةَ الكافرِ والمُبْطِلِ قد لا تندحضُ أمام الناسِ، قد يكونُ الذي حاجَّه ضعيفًا في عِلْمِه، أو فَهْمِه، أو في خصومتِه؛ لكن مهما كان فهي عند اللهِ باطلةٌ، بل داحضةٌ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إثباتُ الغضبِ للهِ عزَّ وَجَلَّ؛ لقولِهِ: {وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ}.

فإن قال قائلٌ: كيف تُثْبِتُ الغضبَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وهو لم يُضَفْ إلى اللهِ هنا، بل قال

<<  <   >  >>