للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} أَمْرُهُمْ؛ أي شَأْنُهُمْ، والمرادُ الشَّأنُ العامُّ لا الشَّأنُ الخاصُّ، الشَّأنُ العامُّ الَّذي يُهِمُّ الجميعَ يتشاورون فيه، ومعنى يتشاورون فيه. يعني: يتبادلون الرَّأيَ؛ هل يُقْدِمُونَ أو يُحْجِمُونَ، هل يُعَدِّلُونَ أو يُبْقُونَ الشَّيْءَ على ما هو عليه.

المهمُّ أن المشاورةَ هي تَدَاوُلُ الرَّأْيِ ليَخْرُجُوا بنتيجةٍ مَرْضِيَّةٍ للجميعِ. قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{شُورَى بَيْنَهُمْ} يتشاورون فيه ولا يَعْجَلُونَ].

وقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (مِنْ) هنا للتَّبعيضِ، ويُحْتَملُ أن تكونَ للجنسِ، فإن كانت الأولى صار المدحُ لمن يُنْفِقُ بعضَ مالِهِ، وإن قلنا بأنَّها الجنسُ صار المدحُ لمن يُنْفِقُ مالَهُ كُلَّه أو بَعْضَه، فأيُّهُما أَوْلَى أن نَقُولَ للتَّبعيضِ أو للجنسِ؟

الجوابُ: للجنسِ أَوْلَى، لِيَشْمَلَ القليلَ والكثيرَ والكلَّ. قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أَعْطَيْنَاهُمْ {يُنْفِقُونَ} في طاعةِ اللهِ].

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ من صفاتِ المؤمنين المتوكِّلين أنَّهم يستجيبون للهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ أي: يجيبونه إلى ما طَلَبَه منهم، ومعناه المبادَرَةُ وعدمُ التأخُّرِ؛ لأنَّ التأخُّرَ عن تنفيذِ الواجِبِ نَقْصٌ في الإستجابةِ، وأَضْرِبُ لكم مَثَلًا برجلٍ أمَرَ ابْنَه أن يأتيَ إليه بشيءٍ، فتوانى الإبْنُ وبقيَ ساعةً أو ساعتين ثم جاء بالشَّيءِ؛ فهل يُقالُ: إن الإبْنَ امتثلَ امتثالًا كاملًا؟ لا، فالإمتثالُ الكاملُ بالمبادَرةِ، وهذا معنى قولِهِ: {اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: العنايةُ بإقامةِ الصَّلاةِ، وَجْهُ ذلك: أن اللهَ نَصَّ عليها بَعْدَ التعميمِ؛ لأنَّ قولَهُ: {اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ} يَشْمَلُ الصَّلاةَ وغيْرَهَا، فلمَّا قال: أقاموا الصَّلاةَ

<<  <   >  >>