قال اللهُ تعالى:{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْكِتَابَ} القرآنُ {بِالْحَقِّ} متعلق بِـ {أَنْزَلَ}].
أولًا: قولُ المُفسِّر: [{الْكِتَابَ}؛ أي: القرآنُ] فيه نظرٌ؛ وهو أن الكتابَ أعمُّ من القرآنِ؛ بدليلِ قولِهِ تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ}[الحديد: ٢٥]، التي سُقْنَاها تطابقُ هذه الآيةَ التي معنا، والمُفسِّر خصَّ الكتابَ بالقرآنِ، وفيه نظرٌ، بل الصوابُ أن المرادَ بالكتابِ كلُّ كتابٍ أَنْزَلَه اللهُ فـ (أل) هنا للجنسِ، وقولُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بِالْحَقِّ} يقولُ المُفسِّر: متعلِّقٌ بِـ {أَنْزَلَ}] وعلى هذا يكونُ المعنى: أن نزولَ هذه الكتبِ من عندِ اللهِ حقٌّ.
ولكنا نقولُ: الآيةُ أعمُّ مما قال المُفسِّر، فهي نازلةٌ بالحقِّ، يعني أنَّهَا نزلتْ حقًّا من عندِ اللهِ، وهي أيضًا متصفةٌ بالحقِّ؛ بمعنى أنها جاءت بالحقِّ، والفَرْقُ بَيْنَ المعنَيَيْن ظاهرٌ؛ لأنَّها على ما فَسَّرْنا تتضمَّنُ أن هذه الكتبَ حقٌّ من عندِ اللهِ، وأن ما جاءت به هذه الكتبُ فهو حقٌّ، فتكونُ الباءُ هنا على كلامِ المُفسِّر تكونُ للتَّعْدِيَةِ، وعلى ما قلنا: تكونُ للتعديةِ والمصاحبةِ أو للملابَسَةِ.