قولُهُ:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الجملةُ خبريَّةٌ خَبَرُها مُقَدَّمٌ يُرادُ به الحصْرُ؛ لأنَّ القاعدةَ البلاغيَّةَ أنَّ تقديمَ ما حقُّهُ التَّأخيرُ يدلُّ على الحصْرِ والإختصاصِ، إذن {لِلَّهِ} لا لغيِرِهِ {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: خَلْقًا وتدبيرًا، فاللهُ تعالى مالكُ السَّمواتِ والأرضِ خَلْقًا وتدبيرًا؛ ولهذا قال:{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} وقولُهُ: {يَخلُقُ مَا يَشَاءُ}(ما) هذه موصولةٌ، ويُعَبَّرُ عنها غالبًا لما لا يَعْقِلُ، وكان التَّعبيرُ بـ (ما) ليعُمَّ الأعيانَ والأوصافَ؛ لأنَّه إذا قُصِدَتِ الأوصافُ عُبِّرَ بـ (ما) ولو كان لعاقلٍ.
انظرْ إلى قولِ اللهِ تعالى:{مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النِّساءِ: ٣]، ولم يَقُلْ: مَن طاب، مع أنَّ النِّساءَ من العقلاءِ، لكن لما كانت المرأةُ إنما تُنْكَحُ من أجْلِ صفاتِها لا لعَيْنِها قال:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}.
وهنا {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} نَقُولُ: عَبَّرَ بـ (ما)؛ لأنَّ المقصودَ بذلك الأعيانُ والأوصافُ، أمَّا الأعيانُ فلو سُئِلْنَا أيُّهما أكثرُ العاقلُ أو غيرُ العاقِلِ؟
فالجوابُ: على الأرضِ غيرُ العاقلِ، لكن في السَّماءِ لا، فالسَّماءُ أَوْسَعُ من