للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسانُ ويتردَّدُ ويَقْلَقُ، لكنَّ الشكَّ المجرَّدَ هو شكٌّ، لا شكَّ في هذا، لكن لا يُؤَدِّيَ إلى الرِّيبَةِ، إلا إذا عَظُمَ وقَوِيَ، وتعارضتِ الأدلَّةُ؛ حينئذٍ يبقى الإنسانُ في ارتيابٍ شديدٍ.

من فوائدِ الآيةِ الكريمَةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ تَفَرُّقَ هؤلاء كان بَعْدَ أن قامت عليهم الحُجَّةُ؛ لقولِهِ: {إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ} [الجاثيةِ: ١٧].

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن من خالفَ الدِّينَ بَعْدَ مجيءِ العِلْمِ فإنه باغٍ معتدٍ؛ لقولِهِ: {بَغْيًا بَيْنَهُمْ}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ كلامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لقولِهِ: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} ولا شكَّ أنَّ اللهَ تعالى موصوفٌ بالكلامِ؛ لأنَّه كمالٌ، وضدُّ الكلامِ الخَرَسُ، والخَرَسُ نقصٌ، فلو نَفَيْنَا الكلامَ؛ لَزِمَ من ذلك ثبوتُ الخَرَسِ وهذا نقصٌ يُنَزَّهُ اللهُ عنه.

فإن قال قائلٌ: ما هو كلامُ اللهِ؟

فالجوابُ: كلامُ اللهِ هو المسموعُ بالآذانِ، يَسْمَعُه جبريلُ ويسمعُه غيرُهُ ممن يُكَلِّمُه اللهُ، هذا هو الحقُّ، وقد وافَقَنَا عَلَيْهِ الجهميَّةُ، فقالوا: إن كلامَ اللهِ هو المسموعُ بالآذانِ، لكننا اختلفْنَا عنهم بأنهم يقولون هو مخلوقٌ، ونحن نقولُ: إنه ليس بمخلوقٍ. أمَّا الأشعريَّةُ والكُلابيَّةُ وأمثالُهُم فقالوا: كلامُ اللهِ هو المعنى القائمُ بنفْسِه، وليس المسموعَ؛ فالمسموعُ عِبَارَةٌ - أو حكايةٌ - عن كلامِ اللهِ، وكلامُ اللهِ هو ما قام في نفْسِه، ولذلك يَرَوْنَ أن كلامَ اللهِ لا يتعلَّقُ بمشيئتِهِ، فلا يقولون: إن اللهَ يتكلَّمُ متى شاء؛ لأنَّه معنى قائمٌ بالنفسِ كقيامِ السمعِ والبصرِ.

<<  <   >  >>