للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شَكَّ أنَّ هذا قولٌ باطلٌ، وأنه أَبْعَدُ من الصوابِ من قولِ الجهميَّةِ؛ لأنَّ الجهميَّةَ يُصرِّحُونَ بأنَّ كلامَ اللهِ هو المسموعُ، وليس المعنى القائمَ بالنَّفْسِ، لكنهم يقولون: إنَّه مخْلُوقٌ.

هؤلاء إذَا قالوا: إن كلامَ اللهِ هو المعنى القائمُ بنفسه، وخَلَقَ أصواتًا تُعبِّرُ عما في نفْسِه؛ لم يخالفوا الجهميَّةَ، فقد اتفقوا على أنَّ هذا المصحفَ الذي بَيْنَ أيدينا مخلوقٌ، لكن الجهميَّةَ صاروا أَشْجَعَ من الأشعريَّةِ، فالجهميَّةُ قالوا: هذا كلامُ اللهِ، وأولئك قالوا هو عبارةٌ عن كلامِ اللهِ.

فإن قال قائلٌ: ما الفرقُ بين عبارةِ كلامِ اللهِ وحكايةً عن كلامِ اللهِ؟

فالجوابُ: معنى العبارةِ أنه لا عَلاقةَ بَيْنَ ما في نفْسِه وبَيْنَ ما خَلَقَهُ، قد يكونُ في نفْسِه شيءٌ الآن ويَخْلُقُه بعد ساعةٍ أو ساعتين.

أما الحكايةُ فهي كحكايةِ الصَّدَى، الصَّدَى الآن إذا كنتَ بَيْنَ جبالٍ وتَكَلَّمْتَ تَسْمَعُهُ يَرُدُّ عليك، هذا يُسَمَّى حكايةً، وهذا يَلْزَمُ منه أن يكونَ ما يُسْمَعُ في الحالِ.

فليس هناك فرْقٌ بيِّنٌ، لكن الأشاعرةَ يقولون: عبارةٌ، والكلابيَّةُ يقولون: إنه حكايةٌ، فالعبارة معناها أن الله خَلَقَه ليعَبِّرَ، خَلَقَ هذا الصوتَ ليعَبِّرَ عما في نفْسِه، والحكايةُ تُشْبِهُ ما يُعْرَفُ بالصدى، إذا كان الإنسانُ بين جبالٍ وتَكَلَّمَ تَجِدُ كلَّ الجبالِ يكونُ لها صوتٌ تحكي صوتَ اللهِ. والعباراتُ الباطلةُ كُلُّهَا سيئةٌ.

أما عبارة للموفَّقِ رَحِمَهُ اللَّهُ في عقيدَتِهِ فهي التي جاء بها الإمامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللَّهُ، فالإمامِ أحمدَ نفسُه فَسَّرَها قال: "نؤمنُ بذلك، لا كَيْفَ، ولا مَعْنَى" (١)، ومرادُهُ بقولِهِ:


(١) انظر: الإبانة لابن بطة (٧/ ٥٨).

<<  <   >  >>