للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: رحمةُ اللهِ تعالى بعبادِهِ؛ حيث حَثَّهم على التوبةِ، وجهه في قولِهِ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} فإن هذا ليس مجرَّدَ خبرٍ أن الله يَقْبَلُ، بل هو حثٌّ من اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أن نتوبَ إلى الله. اللهمَّ وَفِّقْنا للتوبةِ يا ربَّ العالمين، نظيرُ ذلك أن أقولَ: من زارني أعطيْتُه مئةَ درهمٍ. معنى هذا حثُّ الناسِ على الزيارةِ، كلُّ إنسانٍ سوف يُقْبِلُ على الزيارةِ {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} حثٌّ للناسِ بلا شكَّ على التوبةِ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بيانُ كرمِ الربِّ عَزَّ وَجَلَّ؛ حيث يَقْبَلُ التوبةَ عن عبادِهِ مهما كان الذنبُ، واقرأ قولَ الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣]. التوبةُ من الكفرِ مقبولةٌ، والإسلامُ يَهْدِمُ ما قبله مهما عَظَم، حتى من سَبَّ اللهَ أو رسولَهُ ثم أسلم تُقْبَلُ توبتُه؛ لعمومِ الأدلةِ، وقد قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} يعني عن كفرِهم {يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفالِ: ٣٨]. ما قد سلف وإن عظُمَتْ، لقولِهِ: {مَا قَدْ سَلَفَ} (ما) اسمٌ موصولٌ يُفيدُ العمومَ، حتى لو قَتَلَ هذا الكافرُ ألفَ رجلٍ مؤمنٍ ثم أَسْلَمَ؛ تاب اللهُ عليه، ولذلك إذا أسلم الكفارُ وقد أتلفوا أموالَ المسلمين في الحربِ لا يَضْمَنُون أموالَ المسلمين؛ لأنَّ الإسلامَ يَهْدِمُ ما قبله.

مسألةٌ: الكافرُ حربيٌّ - ما لم يكن بيننا وبينه عَهْدٌ - فلنا أن نَقْتُلَه وله أن يَقْتُلَنا. بمعنى أنه لو قَتَلَنا لم يَضْمَن، وإلا حَرَّمْنَا عليه أن يَقْتُلَنا وحرامٌ عليه أن يَكْفُرَ؛ ولهذا كان القولُ الراجحُ: أن الكفارَ مخاطَبون بفروعِ الشريعةِ كما أنهم مخاطَبون بالتوحيدِ،

<<  <   >  >>