للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قولِهِ: {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [المُتَابُ عنها].

والعفوُ مأخوذٌ من قولهِم: عفا الأثرُ إذا أَخْفَتْهُ الرياحُ، وهو التجاوزُ عن العقوبةِ بالذنوبِ، و {السَّيِّئَاتِ} جمعُ سيئةٍ، وهي كلُّ ما يسوءُ الإنسانَ فِعْلُه أو وقوعُه، والمرادُ بالسيئاتِ هنا: - يعني تفسيري لها على حَسَبِ اللفظِ - مخالفةُ الشرعِ، فكلُّ ما خالف الشرعَ فهو سيئةٌ، سواءٌ كان بتركِ واجبٍ، أو فعلِ مُحَرَّمٍ.

قولُهُ: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} يقولُ: قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بالياءِ والتاءِ] {مَا تَفْعَلُونَ} و"ما يفعلون"، أما على قراءةِ (ما يفعلون) فهي مطابقةٌ للضمائِرِ السَّبْعِ، (ويَعلمُ ما يفعلون)؛ أي: ما يَفْعَلُه العِبَادُ.

وأما على قراءةِ التاءِ فهي من بابِ الإلتفاتِ عن الغيبةِ إلى الخطابِ. وأسلوبُ الإلتفاتِ أسلوبٌ بلاغيٌّ ويُقْصَدُ به تنبيهُ المخاطَبِ إلى ما سيلقى إليه، وذلك لأن الكلامَ إذا كان على وتيرةٍ واحدةٍ فإن الإنسانَ يَنْسَجِمُ معه وربما يغفُلُ عنه، وإذا اختلف وقَف الإنسان، لماذا صار الأمرُ كذلك؟ انتبه صار الإلتفاتُ على قراءةِ {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} التفاتًا من الغَيْبةِ إلى الخطابِ، الإلتفاتُ فنٌّ معروفٌ في البلاغةِ من فوائده تنبيهُ المخاطَبِ.

انظر إلى قولِ الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدةِ: ١٢]. مقتضى السياقِ أن يقولَ: وبَعَثَ منهم، لكن قال: وبعثْنَا منهم، فانتقل من الغَيْبَةِ إلى التكلُّمِ؛ لأجلِ تنبيهِ المخاطَبِ.

قال: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} علمه بما نعمل يشملُ العلمَ بالأشياءِ الظاهرةِ والأشياءِ الباطنةِ، قد يُذْنِبُ الإنسانُ ذَنْبًا ظاهرًا يعلمُه الناسُ ويعلمُه ربُّ الناسِ عَزَّ وَجَلَّ، وقد يكونُ خفيًّا لا يعلَمُه الناسُ، ولكن يَعْلَمُه اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

<<  <   >  >>