للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسألةٌ: إن قال قائل: إنَّ بَعْضَ العُلَمَاءِ أَخَذَ من قولِهِ تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} أنَّ الإنسانَ لو جَحَدَ لك مالًا؛ فلك أن تَأْخُذَ من ماله بمقدارِ ما جَحَدَ بدونِ عِلْمِه؟

الجوابُ: نعم، هذا ظاهرُ الآيةِ، أنَّه إذا أَخَذَ من مَالِكَ وَقَدَرْتَ على استردادِه من مالِهِ فلك هذا، ولكن قال النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ -: "أَدِّ الأمانةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَكَ ولا تَخُنْ مَن خَانَكَ" (١). ولو فُتِحَ هذا البابُ لكانت الأمورُ فوضى، كلُّ واحدٍ يَأْخُذُ من مالِ الثَّاني، ويقولُ: قد جَحَدَ لي مالي، فلا يَسْتَقِيمُ هذا، عمليًّا لا يَسْتَقيمُ. وأمَّا قضيَّةُ هِنْدَ فإنَّ السَّببَ فيها ظاهرٌ، كلُّ النَّاسِ يعرفون أنَّ هذه زَوْجَتُه، وأنَّه يجبُ عليه أن يُنْفِقَ، فإذا أَخَذَتْ من مالِهِ بغيْرِ عِلْمِهِ؛ وقالتْ: إنَّه لا يُنْفِقُ عليَّ، لم يَقُلِ النَّاسُ شيئًا، لأنَّ السَّببَ ظاهِرٌ، ومِثْلُهَا: لو نَزَلَ الضَّيفُ على أَحَدٍ، ولم يُقَدِّمْ له الضِّيافَةَ، وقَدَرَ على أن يَأْخُذَ شيئًا من مالِهِ بِقَدْرِ ضِيَافَتِهِ؛ فله ذلك لأنَّ السَّببَ ظاهرٌ. وبهذا يتمُّ الجمْعُ بين الأدلَّةِ.

من فوائِدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّه يَجِبُ أن تكونَ المُقَاصَّةُ على وَجْهِ العدْلِ؛ فيكونُ جزاءُ السَّيِّئةِ سيئةً مِثْلَهَا، فلا يجوزُ أن يَعْتَدِيَ في القِصاصِ؛ لا القوليِّ ولا الفعليِّ، فلو أنَّ رجلًا سَبَّكَ بوَصْفَيْنِ، وَسَبَبْتَه بثلاثةِ أوصافٍ فلا يجوزُ؛ لأنَّ اللهَ قال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}. ولو أن رجلًا قَطَعَ يَدَ إنسانٍ، وطلبَ القِصاصَ؛ فقال الجاني: أنا أُريدُ أن أَضَعَ بِنْجًا في يدي حتَّى لا أُحِسَّ بالألمِ، وقال المجنيُّ عليه: لا، فالقولُ قولُ المَجْنِيِّ


(١) أخرجه أبو داود: كتاب البيوع، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، رقم (٣٥٣٥)، والترمذي: كتاب البيوع، رقم (١٢٦٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>