عليه؛ لأنَّ الجانيَ أتى مَفْسَدَتَيْنِ: الإيلامَ، وَفَقْدَ العُضْوِ. فلا تتمُّ المُقاصَّةُ إلا إذا حَصَلَ هذان الأمْران بالنِّسبةِ للجاني.
ولو أنَّ سارقًا حُكِمَ عليه بقطعِ اليدِ، وطَلَبَ أن تُبَنَّجَ يَدُهُ؛ فيجوزُ هذا؛ لأنَّ المقصودَ - بالنِّسبةِ للسَّارقِ - إعدامُ اليدِ المتعديةِ، وهو حاصلٌ؛ وليس هناك قِصاصٌ حتَّى نقولَ: لا بدَّ أن يَكُونَ المِثْلُ بالمِثْلِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تأكيدُ المُقاصَّةِ بالعدْلِ؛ لقولِهِ:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} فأكَّدَ ذلك بقولِهِ: {مِثْلُهَا} لو أراد المجنيُّ عليه أنْ يأخُذَ بعضَ حقِّه؛ يجوزُ. يعني: معناه إذا أردْنا العدْلَ فهذا هو؛ وإذا عفا الإنسانُ عن حقِّهِ الخاصِّ به فلا بَأْسَ، كما أنَّه لو عفا مطلقًا فلا حَرَجَ عليه.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الحثُّ على العفْوِ إذا كان إصلاحًا؛ فإن لم يكن إصلاحًا فالأخْذُ بالحزْمِ أَوْلى، دليلُ هذا أنَّ اللهَ قال:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} يتفرَّعُ على هذا مسألةٌ مهمةٌ: لو أنَّ الجانيَ معروفٌ بالشَّرِّ والفسادِ؛ فاعتدى على شخصٍ، هل نقولُ: الأفضلُ أن يَعْفُوَ عنه؟ الجوابُ: لا نقولُ. بل نشترطُ أن يَكُونَ ذلك إصلاحًا، هذا الرَّجلُ الشِّرِّيرُ المعروفُ بالشَّرِّ، إذا جنى على شخصٍ لا نقولُ للشَّخصِ المجنيِّ عليه: اعفُ عنه، وأَجْرُكَ على اللهِ، لأنَّنا لو عَفَوْنا عن هذا الرَّجلِ الشِّرِّيرِ في هذه القضيَّةِ المعيَّنةِ، فَعَلَ مِثْلَهَا، أو أشدَّ بعد ذلك؛ لأنَّه أَخَذَ على العفْوِ، فكان يُؤَمِّلُ أن يعفى عنه في كلِّ فِعْلٍ.
يجبُ أن نَعْلَمَ أنَّ قولَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[البقرة: ٢٣٧]، هذه الآيةُ المُطْلَقَةُ تُقَيَّدُ بهذه الآيةِ، بل كلُّ نَصٍّ فيه الحثُّ على العفْوِ فإنه مُقَيَّدٌ بهذه الآيَةِ. إذن لا بُدَّ أن يَكُونَ العفْوُ إصلاحًا، وليُنتبه لهذا.