للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ} يعني: إن يشاء اللهُ أن تفتريَ عَلَيْهِ كذبًا لا يلزمُ من هذا الشرطِ جوازُ افتراءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عَليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ على اللهِ كذبًا، ومن المعلومِ أن اللهَ قد شَهِدَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالرسالةِ فقال: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساءِ: ١٦٦].

قال تعالى: {وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: بصاحبةِ الصدورِ، وهي القلوبُ، كما قال اللهُ تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحجِّ: ٤٦].

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: محاولةُ المشركين أن يُلَبِّسُوا على الخلقِ؛ حتى يُنكروا رسالةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} حتى يظُنَّ العوامُّ أنه مفترٍ على اللهِ كذبًا، فيُعرضوا عما جاء به.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بيانُ شدةِ منابذةِ الكفارِ لما جاء به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ؛ لقولهِم: {افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن مِثْلَ هذا الكلامِ قَدْحٌ في اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْحٌ في القرآنِ، قَدْحٌ في النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أما كونُه قدحًا في الله؛ فلأنه ليس من الحكمةِ أن يؤيِّدَ اللهُ تعالى هذا الذي افترى عليه كذبًا، بل الحكمةُ أن يُؤَاخِذَه ويعاقبَه ولا يؤيَّدَه، واللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أيَّدَ نبِيَّه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ بالآياتِ الدالةِ على صدقِه.

وهو قَدْحٌ في القرآنِ؛ لأنَّه على زَعْمِهم كلامٌ مفترًى من عند الرسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ولقد قالوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} فقال اللهُ تعالى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحلِ: ١٠٣].

<<  <   >  >>