للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [يَرْبِطُ] والصوابُ: أن الختمَ هنا بمعنى الطبعِ؛ يعني: إن افتريتَ على اللهِ كذبًا طَبَعَ اللهُ على قلبِكَ، ويمحو اللهُ الباطلَ الذي افتريْتَه لو قَدَّرَ أنك افتَريْتَه. {وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} (يُحِقُّ) أي: يُثْبِتُه بكلماتِه المنزَّلةِ على نبِيِّه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.

فزعم المفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أن يختمَ - يعني يَرْبِطَ - على قلبِه والربطُ ثناءٌ لا يتناسبُ مع السياقِ، ولم تأتِ (يختمُ) بمعنى (يربِطُ) بل تأتي (يختمُ) بمعنى (يَطْبَعُ)، كما قال الله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرةِ: ٧]. وقال: {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [التوبةِ: ٨٧].

معنى الآيةِ إجمالًا: أنه لو قَدَّرَ أنك افْتَرَيْتَ على اللهِ كذبًا فلم يتركْكَ اللهُ، لا بدَّ أن يُبَيِّنَ الحقَّ فيختمَ على قلبِك، ويطبعَ عليه ثم {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ويُشْبِهُ هذا قولَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} يعني: إذا قرأ ألقى الشيطانُ في قراءته {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجِّ: ٥٢].

وقولُهُ: {فَإِنْ يَشَإِ} لا يلزمُ من الشرطِ الوقوعُ، يأتي الشرطُ أحيانًا في أعلى المستحيلاتِ، أرأيْتَ قولَ اللهِ تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: ٨١]. ولا يُمْكِنُ أن يكونَ للهِ ولدٌ، ومع هذا جاءت الشرطيَّةُ. وقال اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمرِ: ٦٥]. وهذا لا يستلزمُ إشراكَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وقال اللهُ تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس: ٩٤]. ولا يُمْكِنُ أن يكونَ في شكٍّ.

<<  <   >  >>