للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال قائلٌ: قولُهُ تعالى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشُّورَى: ٣٠]، ما الفَرْقُ بَيْنَه وبَيْنَ البَلاءِ الموجِبِ؟

فالجوابُ: أنَّ هذا لمن أُصِيبَه فيبَيِّنُ لهم أنَّ هذا بما كَسَبَت أيديهم؛ لعلَّهم يَتُوبون ويَرْجِعون إلى اللهِ، وأمَّا الإصابةُ بدونِ ذنبٍ فهذه لرِفْعَة الدَّرَجاتِ؛ لأنَّ الإصابَةَ يقابِلُها الصَّبْرُ، لا بُدَّ من صَبْرٍ عليها، والصَّبْرُ دَرَجَةٌ عاليةٌ لا ينالُهَا إلَّا من وُفِّقَ لها ولا يُمْكِنُ أن يُقَالَ: صابرٌ لمن لم يَمَسَّه أذًى، ولهذا كان البَلاءُ الَّذي للأنبياءِ مضاعَفًا على البَلاءِ الَّذي لغيْرِهِم حتَّى في الأمراضِ، فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ كان يُوعَكُ - يَعْنِي تأتيه الوَعْكَاتُ - كما يُوعَكُ الرَّجُلانِ منا، وشُدِّدَ عليه في المَوْتِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حتى يَكُونَ آخِرُ حياتِه على أتَمِّ مَقاماتِ الصَّبْرِ، أمَّا إذا قِيلَ ذلك في المذنبين فالمُرادُ أن يَنْتَهوا عن ذُنُوبِهِم.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: إثباتُ الأسبابِ لقوْلِه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} وَجْهُ ذلك: أنَّ الباءَ هنا للسَّببيَّةِ ففيه إثباتُ الأسْبابِ، وإثْباتُ الأسبابِ ثابِتٌ شَرْعًا وعَقْلًا وحِسًّا، وإنكارُه ضلَالٌ في الدِّينِ، وَسَفَهٌ في العَقْلِ.

أقولُ: تأثيرُ الأسبابِ ثابتٌ بالشَّرعِ والعقْلِ والحِسِّ، ثلاثةُ أدِلَّةٍ. وإنكارُهُ ضلالٌ في الدِّينِ وسَفَهٌ في العقْلِ.

أمَّا ثبوتُ الأسبابِ في الشَّرْعِ فكما في الآيةَ، والأدلَّةُ على هذا لا تُحْصى لا في القرآنِ، ولا في السُّنَّةِ، وأمَّا ثُبُوتُها بالعقْلِ؛ فإننا نَعْلَمُ أن كلَّ شيءٍ حادثٍ لا بُدَّ أن يَكُونَ له سببٌ يُحْدِثُه، إمَّا معلومٌ لنا، وإمَّا مجهولٌ، لا بدَّ من هذا، فالطِّفلُ لا يُمْكِنُ

<<  <   >  >>