للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُصِيبَ بِانْتِكَاسَةٍ - والعياذُ باللهِ - فهو أَشَدُّ من أن يُهْلِكَ أَهْلَه وَمَالَه، فإنَّ المصائِبَ الدِّينيَّةَ أَعْظَمُ بكثيرٍ من المصائِبِ الدُّنْيَويَّةِ، إذ إنَّ المصائبَ الدُّنْيويَّةَ تَزُولُ وَتُنْسَى، كما قال بعضُهُم: إِمَّا أن تَصْبِرَ صَبْرَ الكِرَامِ، وإمَّا أن تَسْلُوَ سَلْوَ البهائِمِ، لا بُدَّ أَنْ تَزُولَ.

أمَّا المصائِبُ الدِّينيَّةُ - والعياذُ باللهِ - فَخَسَارةٌ في الدُّنْيا والآخِرةِ.

فإنْ قال قائلٌ: ما هو الدَّليلُ على أنَّ الإعْراضَ من المصائِبِ؟

فالجوابُ: الدَّليلُ قولُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدةِ: ٤٩]، فتأمَّلْ أنَّ الذنوبَ صَارتْ سببًا لإِعْرَاضِهِمْ، والإعْراضُ مُصِيبةٌ عظيمةٌ، المهِمُّ أن قَوْلَه: {مِنْ مُصِيبَةٍ} يشمَلُ مَصائِبَ الدُّنْيا؛ كَتَلَفِ المالِ، ومَوْتِ الأحبَّةِ، والخَوْفِ، والفَقْرِ، وما أَشْبَهَ ذلك.

ومصائِبُ الدِّينِ؛ كالمعاصي، والبِدَعِ، وكَراهةِ الحَقِّ، وكراهةِ أهْلِ الحَقِّ، وما أَشْبَهَ هذا، فمثلًا: الإنسانَ إذا أصابه فُتورٌ في الطَّاعةِ، أو إعْراضُ عن الطَّاعةِ لا شكَّ أنها مُصيبةٌ، لكنَّها لا يُقرُّ عليها، يجبُ أن يَهْرُبَ منها كما يَهْرُبُ من المصائِبِ الحسِّيَّةِ.

وكُلَّهُ {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} والمرادُ بما كَسَبْتُمْ؛ لأنَّها قد تَكُونُ الكَسْبَ باليدِ، وقد يَكُونُ الكسْبَ بالرِّجْلِ، ويَكُونُ الكسْبُ بالعَيْنِ، ويَكُونُ الكَسْبُ بالشَّمِّ، ويكُونُ الكسْبُ باللِّسانِ، لكنْ عَبَّرَ بالأيدي عن الكُلِّ؛ لأنَّ أكْثَرَ ما تُزَاوَلُ الأعمالُ باليدِ، الآنَ في جلوسِنا هذا الرِّجْلُ لا تَعْمَلُ، أمَّا اليدُ فإنَّها تَعْمَلُ بلا شكٍّ، تَأْخُذُ الكِتابَ تَرْفَعُه تُنْزِلُه، تَكْتُبُ، أَكْثَرُ الأعمالِ تُزَاوَلُ باليدِ، فَعَبَّرَ بِاليَدِ عَنِ النَّفْسِ لهذا السَّبَبِ. {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} بأن يَعْفُوَ عن كثيرٍ ممَّا أَذْنَبْتُمْ فلا يُؤاخِذُ به.

<<  <   >  >>