للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له بالخوفِ تقريبٌ، وليس على وجهِ التحديدِ، والإشفاقِ خوفًا وزيادةً، مُشفِقون منها خائفون منها؛ لأنَّهم يَعْلَمُون أنَّها الحقُّ، وأنها ستقومُ، وستكونُ الأهوالُ العظامُ، ستكونُ {الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: ٥] وسَتُدَكُّ الأرضُ، وكُلما ذُكِرَ في الكتابِ والسُّنَّةِ مما يكُونُ في الآخرةِ، فإنَّ الذين آمنوا مؤمنون به، مشفِقون منه.

قال تعالى: {أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [يُجَادِلُونَ] {فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}.

قوله: {أَلَا} أداةُ استفتاحٍ الفائدةُ منها التنبيهُ والتحقيقُ والعنايةُ، ولهذا تأتي بعدها غالبًا (إنَّ)، و {إِنَّ} للتوكيدِ، مثل قولِهِ تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: ٦٢]، {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١٢]، فإذنْ: (أَلا) أداةُ استفتاحٍ تفيدُ التوكيدَ والتنبيهَ والتحقيقَ والعنايةَ.

وقوله: {أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (إنَّ) للتوكيدِ، واللامُ في قولِهِ: {لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} لامُ التوكيدِ داخلةٌ على الخبرِ {لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}؛ أي: لفي ضلالٍ بعيدٍ عن الهدى؛ لأنَّ الضلالَ قد يكونُ قريبًا، ويهتدي الإنسانُ عن قُرْبٍ، وقد يكونُ بعيدًا فلا يهتدي - والعياذُ باللهِ - إلا بعدَ التي واللُّتَيَّا.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: أن مُنْكِري الساعةِ يستعجلونها، يقولون: "متى؟ "، والمُرادُ بقولِهم: "متى؟ " الإنكارُ، كما قال عزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية: ٢٥].

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن المؤمِنَ بالساعةِ خائفٌ منها، لقولِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} [الشورى: ١٨]، ولكنهم مشفِقون منها. يعني: خائفين خوفًا يَحْمِلُهم

<<  <   >  >>